كانت دهشة المغاربة كبيرة حينما تداولوا بينهم لعب الفريق المغربي لمباراة كروية في يوم العيد، الذي ليس كباقي الأعياد، ولكنه عيد الأضحى، الذي هو شعيرة كبرى من شعائر الدين. وربما كان التبرير الذي تم تداوله أيضا هو أن الفريق الآخر لا يعرف هذا العيد وليس من شعائره هو.
وحتى لو فرضنا جدلا أن هذا المنطق مقبول وانطلقنا منه، بل وانطلقنا من منطلق آخر وهو ألا حرج في اللعب يوم العيد، مهما كان نوع هذا اللعب، فهو لا يبطل حقا ولا يحق باطلا، وديننا سمح والحمد لله، فهل سيكون موقف الطرف الآخر منطلقا من المنطق نفسه فيما لو كانت مثل هذه المباراة في عيد من أعياده التي يحتفل بها -كعيد ميلاد المسيح عليه السلام، أو عيد رأس السنة الميلادية- وإن كنا نحن الآخرين نؤمن بالمسيح عليه السلام نبيا من أنبياء الله تعالى- ويعتبر ألا حرجمن إجراء المباراة في أحد هذين اليومين؟! ما أظن ذلك على الإطلاق، حتى ولو تعلق الأمر بقرعة أو غير قرعة، بل إن المنظمين سيلجأون إلى كل الوسائل الممكنة، وربما غير الممكنة لجعل المباراة تدور في يوم آخر، لأنهم يعرفون أن لديهم جمهورا سيحتج على ذلك.
وتدور أيام معدودة وإذا بنا نسمع ونقرأ في وسائل الإعلام أن حجاجا لبيت الله الحرام لم يتمكنوا من العودة إلى وطنهم، بعد أداء مناسكهم بسبب أن الطائرة أو الطائرات التي كانت ستقلهم نقلت حجاجا من طينة أخرى، إنهم حجاج ملاعب كرة القدم، أو بالضبط هم حجاج مدرجات ملاعب الكرة، لأنهم ليسوا من الفريق، ولكن من مشجعي الفريق.
ألا فلتسعد الكرة العربية بهذا الاهتمام المنقطع النظير الذي جعل شركة أو شركات النقل، تفضل نقل حجاج مدرجات الملاعب على نقل حجاج بيت الله الحرام! وما الذي سيتغير في الكون؟ إن جدول المباريات مبرمج بشكل دقيق ولا ينبغي أنيخالف على الإطلاق، والمشجعون ينبغي أن يكونوا حاضرين بكثافة، وما على هؤلاء الحجاج المساكين إلا أن ينتظروا أياما معدودات أخرى، يذكرون الله تعالى ما داموا هناك، زيادة في طلب الأجر، فهم طلاب دين وليسوا طلاب دنيا ، ريثما تفرغ الطائرات من نقل المشجعين طلاب الدنيا. وحتى لو كانت هذه المباريات في موسم الحج، لحج هؤلاء إلى الملاعب، ولانشغلت بهم شركات النقل، نظرا لهذه البرمجة، ولانتظر حجاج بيت الله الحرام إلى السنة المقبلة أو إلى سنة يعلم الله تعالى متى ستكون، لأنهم لم يبرمجوا وقت حجهم بشكل يخالف وقت إجراء المباريات. هكذا ينبغي أن نكون، كلما تعارضت مباراة كروية، أو أي همل دنيوي مع شعيرة من شعائر الدين نقدم الكرة على الدين، لأن الدين لله، وهو سبحانه غفور رحيم، وديننا يسر والحمد لله، أما الكرة فهي للجميع، ولا ينبغي أن نشرك بها شيئا. ولله در الشاعر حينما قال:
نرقع دنيانابتمزيق ديننا
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
مضى زمان كنا نتعجب فيه أن يعقد أبناء من بني جلدتنا اجتماعات فيما بينهم أو مع الآخرين في يوم الجمعة، بل وفي وقت صلاة الجمعة، وكنا نعجب من زمن قبل ذلك أن تبدأ الاجتماعات قبل العصر ولا تنتهي إلا بعد المغرب أو العشاء دون أن يحرك أحدهم ساكنا بالقيام إلى الصلاة، أو بالتوقف جماعيا لأداء الصلاة، حتى ولو من باب التمثيل على الشعب، ولكن حينما يأتي السبت أو الأحد، أو عيد من أعياد الآخرين، فلا اجتماع ولا مفاوضات، كل شيء يتوقف في انتظار مرور اليوم أو العيد.
فهل ديننا سمح أكثر من اللازم، ودينهم ليس كذلك؟!
مضى زمان وجاء آخر، مع بقاء الأول.. لكن هذا زمان كرة، زمان قدم ونغم وليس زمان قلم.
د. عبد الرحيم بلحاج