في سياق الهجمات التي تتعرض لها الأمة المسلمة هذه الأيام، من احتلال لبعض بلادها، وتشويه لدينها وإلصاق تهمة الإرهاب لها، والنيل من مقدساتها كالرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، والتهديد بإحراق المصحف الشريف، وإنشاء ملهى ليلي على شاكلة الكعبة المكرمة..
يتعرض الشعب المغربي هذه الأيام لهجمات ممنهجة تستهدف دينه وقيمه الروحية، والحضارية الاجتماعية التي تميز بها لقرون طويلة، جعلته نموذجا للصفاء العقدي والتدين المتين والوسطي، رغم كونه يقع في نقطة تماس حضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، فقد ظل دائما مصدرا للعلم والمعرفة لأوروبا في العصور الوسطى، وهذه القيم الحضارية والدينية جعلته يعيش استقرارا وتماسكا اجتماعيا رغم كل الأزمات التي مر منها إما بسبب الحروب والهجمات الأوروبية أو المجاعات والطاعون التي عرفها المغرب من قبل.
لكن هذه الأيام التي تمر على الشعب المغربي من أحلك الأيام بسبب ظروف الفقر والجهل والتخلف التي يعرفها، وبسبب الهجمات الفكرية والدينية العدوانية التي يشنها الأعداء عبر جهات ومؤسسات مختلفة، تحت ذرائع كثيرة أكبرها ذريعة حقوق الإنسان والحريات الفردية خاصة، قد يتهمني البعض بنظرية المؤامرة، لكن هذه حقيقة ثابتة لها شواهدها من الوقائع والأحداث. ومن هذه الشواهد:
- الحملة التنصيرية : التي تشنها مؤسسات كنسية خاصة الكنيسة الإنجيلية التي تنشط في البوادي والأرياف المغربية وتهدف من خلال أنشطتها “الخيرية” إلى تغيير قناعات ومعتقدات الناشئة وتنصيرها مستغلة فقر وبؤس هذه الفئة من المجتمع المغربي المسلم، ومستغلة ضعف خدمات الدولة الصحية والاجتماعية والدينية في هذه المناطق النائية من المغرب، ونحن لا نتحدث عن الذين بدلوا دينهم عن قناعة واختيار، بل عن حملة تنصيرية ممنهجة تستهدف الأطفال المحرومين خاصة، أما الذين بلغوا سن الرشد وتجاوزوا صفة “القاصر”، فلم تنجح كل الجهات في تغيير دينهم رغم كل الإغراءات المقدمة لهم، والاستثناء يعزز القاعدة. فهذه المؤسسات الكنسية سخرت إمكانيات ضخمة إعلامية واجتماعية وصحية وتعليمية في سبيل إخراج جيل مغربي يتكلم باللسان المغربي وله سحنة مغربية ويسكن ويعرف جيدا المغرب، حتى يكون أول بذرة لأقلية مسيحية في المغرب، فيكون ذريعة للتدخل في شؤونه الداخلية بدعوى حماية الحقوق الفردية وحماية الأقلية المسيحية “المضطهدة” داخل المغرب.
وعندما قامت السلطات المغربية بطرد هؤلاء المنصرين قامت الآلة الإعلامية الغربية المساندة لهم بالدفاع عن أفعالهم الإجرامية وبتشويه صورة المغرب واتهامه بانتهاك الحريات الفردية.
- الإفطار العلني في رمضان: وبنفس الحجة ، حجة الحريات الفردية، تم دعم وتشجيع بعض الشباب المغرر بهم على تنظيم إفطار جماعي علني في نهار رمضان، وبتغطية صحفية موسعة غربية ، ضدا على الشعور العام المغربي المعروف عنه تقديسه لرمضان واحترامه لهذا الشهر الفضيل، وشعيرة الصيام من أهم الشعائر الدينية المحترمة في المغرب، حتى الذين لا يؤدون الصلاة ولا الزكاة يصومون شهر رمضان وهو آخر القلاع الدينية المحصنة في المغرب، بل حتى بعض النصارى المقيمين في المغرب لا يفطرون علنا احتراما للشعور العام المغربي، بل منهم من يصومه مع المغاربة لما له من فوائد صحية جمة، نحن نعلم أن البعض لا يصوم رمضان لكنه يفطر في سر وليس أمام الملأ، والقانون المغربي يجرم الإفطار العلني في نهار رمضان، وهو قانون ورثناه عن الاحتلال الفرنسي للمغرب، الذي راعى فيه ضبط الأمن العام داخل المغرب، والذي يظهر نية هؤلاء المبيتة هو أنهم عمدوا إلى تنظيم إفطار جماعي نهار رمضان وحددوا مكاناً عموماً للقاء هو محطة القطار بالمحمدية، ولو أنهم أفطروا في منازلهم لما تحدث عنهم أحد، لكنهم يريدون استفزاز الشعور الديني للمغاربة، والجهر بالإفطار العلني في رمضان حتى يسنوا سنة سيئة للأجيال القادمة.
- دعم الشذوذ الجنسي ، واستقبال المتزعمين للشذوذ في المغرب، هذا الفعل الدنيء الذي تمقته الفطرة السوية للإنسان مهما كانت ديانته ومعتقداته، بل عزموا على تنظيم مسيرة في مدينة مغربية للمطالبة “بحقهم” في الشذوذ باعتباره من الحريات الفردية أيضا، وقد قامت شخصيات وازنة في الدول الغربية بدعم وتبني مطالب هؤلاء الفتيان المغرر بهم وتمكينهم من وسائل الإعلام بمختلف أنواعها المرئية والمسموعة والمقروءة، ولنا أن نتساءل هل هذا كله حب وغيرة على الحريات الفردية داخل المغرب؟ مع أن المغاربة غارقون في الجهل والأمية والفقر، إضافة إلى العنصرية الممارسة على المهاجرين منهم في بلاد الغرب. ومن قبل دافعوا عن الدعارة باعتبارها مهنة كباقي المهن الأخرى، وهي بهذه الدعوى تريد للمغرب أن يصير مقصدا لكل مريض شهواني من تجار الشهوة في أنحاء العالم! ولا تريد له أن يظل منبعا للعلماء ومنه يتخرج الرجال لإنقاذ البشرية من أزمتها الأخلاقية.
هذا الأمر خطير على الأمن الروحي للمغاربة، يستدعي نهوض العلماء وأولي الأمر بمسؤوليتهم الدعوية والتربوية اتجاه الأجيال الحاضرة والآتية في المستقبل، فقد حفظ هذا الدين المغرب والمغاربة على مر العصور، وهو صمام أمنهم في المستقبل، فالأجيال المغربية بحاجة ماسة إلى التحصين العلمي والثقافي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، وهذه مسؤولية الجميع.
إن الفراغ الروحي يشكل مجالا خصبا لظهور مختلف أشكال التطرف والغلو، كردة فعل، وهذا الفراغ مجال خصب أيضا لضياع الوحدة العقدية والمذهبية المغربية ولظهور طائفية جديدة أو أقليات دينية، المغرب في غنى عنها، ومجال خصب أيضا لظهور آفات اجتماعية كالعنف ضد الأصول، وزنا المحارم، وكثرة الانتحار، وجرائم أخرى لم يعرفها المجتمع المغربي من قبل.
ذ. محمد البويسفي