العمل الاجتماعي في الإسلام


تـقـديــم

لاشك أن أعباء الدنيا جسام، والمتاعب تنزل بالناس كما ينزل المطر، وهذه سنة الله في الكون، {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) البقرة:155)، حيث يبتلى الإنسان بالخوف والجوع وانعدام المأوى والكساء، فيحتاج الإنسان إلى من يخفف عنه وطأة البلاء {إنما المؤمنون إخوة}(الحجرات : 10)، >من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا…<(رواه مسلم).

أولا: مكانة العمل الاجتماعي في الاسلام

إن العمل الإسلامي الاجتماعي في الإسلام يعد عبادة أعطاها الشارع صفة الوجوب العيني أو الكفائي وذلك فيما لو وجد مضطر إلى الطعام، وأمامه جماعة يمتلكون الطعام، أو اضطر إلى الكسوة وأمامه من يمتلك ما يستره به، أو في حاجة إلى إصلاح أو غير ذلك.

أ- إن العبادة شاملة على مستوى العلاقة مع الله ومع النفس، وكذلك على مستوى العلاقات الإنسانية.

ب-  لقد أوجب الإسلام انقاد المهددين بالموت أو الغرق أو الحريق وغير ذلك من الكوارث، واعتبر الممتنع عن الإنقاذ مع القدرة عليه قاتلا يعاقب على قتله.

ج-  أوجب الإسلام التقاط اللقيط والعناية به، واعتبر الممتنع عن التقاطه مع القدرة قاتلا، {كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا}(المائدة 32)، {ومن يقتل مؤمنا متعمدا}(النساء : 93).

د-  لقد أوجب الإسلام بذل المال كعبادة من أجل إزالة الضرر وسد الحاجة {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا}(البقرة : 245)، قال صلى الله عليه وسلم : >أحب الناس إلى الله انفعهم، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على المسلم، أو تنفس عنه كربته، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام،  وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل<(حسن رواه الطبري في الكبير).

هـ – قال صلى الله عليه وسلم : >الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل والصائم النهار<(متفق عليه).

ثانيا: مجالات العمل الاجتماعي في الاسلام  وصوره

إن العمل الاجتماعي باب واسع وعظيم الأجر في توطيد العلاقات وجلب المودة ونشر الخير بين الناس وله عدة صور، فقد تكون مواساة الناس بالمال أو النصيحة أو بالتألم والتوجع لما أصاب الناس ، أو بإدخال السرور على العباد، والضابط الإجمالي هو: أن يكون المرء في حاجة أخيه.

ومن صور  العمل الاجتماعي في الإسلام :

1- تقديم العون بالمال، ومن أجل هذا المقصد شرعت الزكاة لكي تصرف على الأصناف الثمانية {إنما الصدقات} (التوبة : 60)، قال تعالى: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى}(الليل : 5)، {وما تقدموا لأنفسكم من خير}(البقرة : 110)، {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}(سبأ : 39).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيه فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا<(متفق عليه)، وقال تعالى: {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}(الروم : 39).

2- مواساة النزلاء والغرباء وأبناء السبيل، فابن السبيل يكون محتاجا ولو كان في بلده، قال تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من امن بالله واليوم الآخر…والمساكين وابن السبيل) البقرة 177.

فالغرباء يكونون منكسرين لغربتهم وقلة مصارفهم وانعدام أقربائهم، فينبغي أن يعتنى بهم خاصة إذا كانوا من طلاب العلم، قال تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}(الأنعام : 52).

3- عيادة المرضى في المستشفيات أو غيرها، وهذا الجانب أسمى، وأثره في القلوب أوقع وأطيب، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي: يقول الله تعالى يوم القيامة: >يا بن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده<(رواه مسلم).

4- مواساة من مات له ميت: لاشك أن  الموت مصيبة {فأصابتكم مصيبة الموت}(المائدة : 106)، فأهل الميت أحوج إلى من يواسيهم قصد التخفيف عنهم، ويكون ذلك بالتذكير بالله {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد}(الأنبياء 34)، ثم التذكير بالصبر {وبشر الصابرين}(البقرة : 155)، والتذكير بقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أم سلمة: >ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا اخلف الله له خيرا منها<، أم سلمة قالتها لما توفي أبو سلمة فعوضها الله برسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذن فأهل الميت يحتاجون لمن ينوب عنهم في إحضار الكفن ومستلزمات الميت من دفن وغير ذلك، وفي حاجة لمن يصنع لهم الطعام >اصنعوا لآل جعفر طعاما<(رواه أبو داود).

5- مواساة الأرامل والأيتام، فلقد فقدوا عزيزا لهم وكان يقوم  بأمرهم وتدبير شؤونهم بعد الله عز وجل، وهم في حاجة لمن يعتني بهم ويقضي حوائجهم، ويفرح لفرحهم، ويسعد لسعادتهم، الأيتام في حاجة لمن يعولهم ويربيهم ويدفع عنهم السوء، ويوفر لهم الحماية ويدافع عنهم وعن مصالحهم، هم في حاجة لمن يدخل عليهم بالهدايا، لذلك قال صلى الله عليه وسلم : >أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا< وقال بأصبعيه السبابة والوسطى، رواه البخاري.

وقال أيضا: >الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله<(متفق عليه). قال تعالى: {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة}(البلد : 12).

6- مواساة المطلقات : المطلقة التي كسر خاطرها ينبغي أن تواسى ويجبر كسرها، قال تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين}(البقرة : 241).

 ثالثا: دوافع الانخراط في العمل الاجتماعي لدى المسلمين

إذا كان لدى العديد من الأشخاص الذاتيين أو المعنويين أهدافا يريدون تحقيقها من وراء إنشاء جمعيات وأندية للعمل الاجتماعي، فإن هذا العمل لدى المسلمين تختلف أهدافه ومقاصده وغاياته عن غيرهم.

إن غاية المسلم من الانخراط في هذا العمل:

1- الرحمة بالعباد

2- طاعة الله وتنفيذ الأوامر في هذا الشأن، قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}(الزلزلة : 7)، وقال صلى الله عليه وسلم : >اتقوا الله ولو بشق ثمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة<.

3- انتظار الخير من عند الله، قال تعالى: ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا).

4- الخوف من عقاب الله عند التفريط، قال تعالى: {إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا}(الإنسان : 10).

 رابعا: صور مشرقة للمسلمين في مواساة الناس

1- الرسول القدوة: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه انه قال وهو يخطب: >إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، ويعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير…<(حسن رواه أحمد).

وحسبنا أن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي لأول مرة وذهب إلى خديجة وفرائسه ترتعد من الخوف فقال لها: >والله لقد خشيت على نفسي يا خديجة< فما كان منها إلا أن قالت: >كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسي المعدوم، وتعين على نوائب الحق<(متفق عليه).

هذا هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى قبل البعثة، فما ظنك بحاله بعد البعثة وهو صاحب أرحم قلب في الكون كله؟ قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء : 107)، وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب : 21).

2- موقف الأنصار مع المهاجرين: لقد كان الأنصار يقتسمون مع إخوانهم الأموال والمساكن والزوجات، {والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على أنفسهم  ولو كان بهم خصاصة}(الحشر : 9).

3- من صور العمل الاجتماعي: الوقف عند المسلمين:

تعريف الوقف: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة عند الجمهور، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب لما أراد أن يوقف ما أصابه من خيبر: >إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها<(متفق عليه عن ابن عمر).

تاريخ الـوقف: وقف صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون والخلفاء الراشدون والملوك عبر التاريخ الإسلامي.

أنـواع الوقف :

1- وقف الغرباء (ملاجئ) عابري السبيل.

2- الوقف على الأيتام (المرينيون).

3- وقف لتزويج الفقيرات و تعريس المكفوفين، وكان في فاس دار رهن إشارة العرسان وقد تهدمت 1904 هـ.

4- وقف القرض المالي بدون فائدة، ذكر ذلك الشيخ ميارة في شرح منظومة العاصمية.

5- وقف لسقي الماء المثلوج في الصيف لعابري السبيل.

6- وقف لختان الأطفال اليتامى.

7- وقف على المستشفيات.

8- وقف على الأئمة والمؤذنين.

9- وقف للعاجزين عن الحج.

10- وقف على تغسيل الأموات.

11- وقف على طلبة العلم.

12- وقف على المساجد.

13- وقف على الزوايا والأضرحة.

14- وقف تعليم الوضوء.

15- وقف الدعوة إلى الصلاة.

نموذج : تحبيس دار الحديث الحسنية على طلبة العلم وتدريس الحديث وعلومه.

قصيدة تهنئة من الأستاذ محمد الكبير البكري يهنئ المحسن الحاج إدريس  البحراوي لجعله  قصره دارا الحديث الحسنية.

فقد دعتك محبة الرسول إلى

إهداء دار وما أدراك ما الدار

أعطيت دارك كي يتلى الحديث بها

وآية الحب إعطاء وإيثار

فصارت الدار دارا للحديث وفي

كل العصور له أهل وأنصـار

وليهنأ المخلصون طـرا أنهم

تحط عنهم يوم الحشـر أوزار

خـــاتــمـــة

وفي الختام إذا تأملنا حال أمتنا الإسلامية اليوم نلاحظ أن المسلمين في أجزاء كثيرة من الأرض يعيشون في ظل الجهل والجوع والفقر والمرض، أحوالهم بائسة من كثرت الحروب والكوارث مما يندى له الجبين ويدمى له القلب.

إن الملايين من المسلمين في أنحاء المعمورة كثير منهم يعيشون إما لاجئين في بلدانهم أو في بلدان مجاورة، مسكنهم الخيام، وفراشهم الأرض اليابسة، بلا كساء ولا طعام، كثيرا ما تنتشر في مخيماتهم الأمراض والأوبئة، ويعيش أطفالهم بلا تعليم، الشيء الذي يفرض على المسلمين من باب الأخوة في الدين، وواجب النصرة الوقوف بجانب إخوانهم ومساعدتهم في المصائب التي حلت بهم، وهذا باب واسع كما أصبح يسمى بالعمل الاجتماعي خدمة للناس وقضاء لحوائجهم.

والله أسال أن يفرج كرب المكروبين.

ويزيل هم المهمومين آمين.

>د. عبد العلي معگول

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>