طلال أبو غزالة
أكد طلال أبو غزالة أن على العرب معرفة أن مستقبل العرب مع الصين، وأن أوروبا وأميركا لم تعد أسواقا مشجعة. وأضاف رئيس الائتلاف العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات والتنمية، التابع للأمم المتحدة، أن الائتلاف الذي يعمل تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة يعمل على إصدار بيان حول حقوق الإنسان في استخدام الإنترنت عالي السرعات، لجعله وسيلة اتصال أساسية في كل أنحاء العالم، ولا يقتصر على العالم المتقدم.
وأضاف في مقابلة مع >الشرق الأوسط<، أن المشروع في مراحله النهائية، حيث سيقدم إلى القمة العالمية المزمع عقدها خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، مشيرا إلى أن >مجموعة طلال أبو غزالة< تناقش أيضا توسيع نشاطها في مجال مجتمعات ومراكز المعرفة في الكثير من دول المنطقة التي يرى أنها تشهد معدلات نمو وزيادة في استخدام الإنترنت مبشرة وإيجابية، وتزيد بنحو 4 أضعاف على المعدل العالمي للفترة من عام 2000 إلى 2008.
وذكر أنه عرض هذا المشروع على مسؤولين كبار في المملكة العربية السعودية واتحاد دول مجلس التعاون الخليجي ولقي استحسانا وقبولاً وتشجيعا وأنه سيجري الترتيب لتنفيذه من قبل الأمم المتحدة ورعايته وتمويله وبإدارة من الدكتور أبي غزالة، وأن مشروعه هذا سيعرض على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لعرضه على الخبراء العالميين، وفيما يلي نص الحوار :
> أود أن أسال عن وضع الاقتصاد العربي في ظل الأزمة العالمية..
- هذا موضوع مهم جدا، ويشغل فكري كمواطن عربي. بداية، اتخذ العالم قرارا بأن يخرج موضوع الاقتصاد العالمي من الأمم المتحدة إلى مجموعة العشرين، ليكون المظلة التي يعمل عليها قادة العالم لمواجهة الأزمة المالية التي بدأت عام 2008 ووصلت ذروتها في عام 2009. وتشكيل مجموعة العشرين مصطنع، لأنه لا يمثل دول العالم بشكل صحيح، وجاء بطريقة اختيارية تناسب من تسبب في الأزمة العالمية، مثل أميركا والمجتمع الغربي.
وفي رأيي، فإن هذا مجرد إخراج إعلامي، لأنك إذا راجعت قراراتها منذ بداية اجتماعاتها إلى آخرها فسوف تجدها توصيات تخرج بقرار ضخ المال إلى البنك الدولي وصندوق النقد، وهي إسهامات الدول الأكثر حظا، وعدا ذلك يبقى في محيط الأمنيات. وبالنظر إلى معايير المحاسبة الدولية، التي هي أحد أسباب الأزمة، وأنا كشخص خدم في مجالس إدارة المنظمات الدولية والمحاسبية من الاتحاد الدولي إلى لجنة معايير المحاسبة إلى كل ما تريده من منظمات دولية، فأنا أعرف كيف تتم عملية إعادة صياغة المعايير، وأعرف أن هذا يحتاج إلى 3 سنوات على الأقل إذا بَدَأَتْ بشكل جدي، فكيف لم يكن هنالك قرار حتى الآن؟ والمجتمع الدولي لا يناسبه إعادة صياغة المعايير، لأنها ستكشف مساوئ وعجز الكثير من المؤسسات التي تُعفي نفسها من المعايير الحالية ومنها معيار ما يسمى بالقيمة العادلة ومن الذي سيحدد القيمة العادلة، لأن العدل نسبي وهذا واحد من أكثر من 100 عيب في المعايير الدولية. لذلك أقول: أخرج العالم مشروع قمة العشرين لأغراض إعلامية، ليقال إن هناك هيئة تعمل على إصلاح النظام لأن إصلاح النظام المالي العالمي هو المشكلة. سوء النظام المالي العالمي يتمثل في أسوأ أوضاعه في الولايات المتحدة الأميركية، لأنه ليس هناك نظام مالي للرقابة. وعندما نسمع عن انتعاش الاقتصاد العالمي، فهنالك تشوه للمعاني، فالأزمة أولا بدأت أزمة مالية وليست أزمة اقتصادية. ونحن اليوم أمام مشكلة عضوية، وليس عرضية، يجب أن يتغير النظام المالي الأميركي ليصبح مثل نظامنا، فيه بنك مركزي، لذلك نحن في مأمن من هذه الأزمة إلى حد كبير، لأن نظامنا لم يسمع بهذا التداول، وإذا كان هناك أي خسارة تكبدناها لتداولنا فيها هناك وليس هنا.
الآن الأزمة المالية بدأت من 2009، وتحولت إلى أزمة اقتصادية، وهذا توقعته من البداية، تتمثل في مؤشرات اقتصادية مثل الفقر والدين الخارجي والبطالة والعجز المالي وغيره. نحن أمام بداية أزمة اقتصادية في العالم الغربي، ويجب أن نخرج من مفهومنا السابق. وكان صحيحا في وقتها أنه >إذا عطست أميركا، فسوف يصاب العالم بإنفلونزا<، وهذا غير صحيح الآن، وأصبح الأمر معكوسا عندما يقول أوباما بأن انتعاش أميركا يعتمد على ازدهار الصين يعني عكس النظرية السابقة.
وكيف تحققت أمنية جورج بوش الابن بأن الصين الآن حققت نسبة نمو باقتصادها بنسبة 12,5 في المائة، وأنا أقول 15 في المائة.. ما أعلنوه هو 12,5 في المائة، ولكن رقم النمو الحقيقي إذا حسبته بالمعايير الأميركية هو 15 في المائة. وهذا يدل أن العالم الأميركي متغير، وكل معاييره متغيرة.
والعرب الآن في مرحلة التموضع، ونعيد تموضعنا بعد الصدمة التي حدثت، والتي كان أثرها علينا مخفيا، ونعيده بأقل الأضرار، لأننا لسنا شركاء حقيقيين للغرب، لأنه ينظر إلينا كأسواق، وليس شركاء حقيقيين، وأوروبا من تضرر بسبب هذه الأزمة، لأن هناك ترابطا اقتصاديا يمثل 70 في المائة من استثمارات أوروبا في أميركا، و70 في المائة من استثمارات أميركا في أوروبا. وبالنسبة إلى الصين، فهي لم تتضرر لأسباب كثيرة، ومنها حكمة 7000 سنة من الحضارة، ولأنهم رفضوا أن تصبح عملتهم عالمية، ورفضوا أن تسعر بالدولار. كما أن اقتصاد الصين مكتمل داخليا، وليست معتمدة على السوق المالية العالمية، لأنها لم تكن جزءا من الاقتصاد العالمي، ويزيد استثمارها الرئيسي على تريليوني دولار، إضافة إلى استثماراتها الأخرى في مشاريع صناعية، وفيما يخص اقتصاد الصين فلديها حماية كبيرة كونها سوقا ضخمة لمنتجاتها وما يفيض عن احتياج العالم.
> ما أثر التنافسية على مستقبل الشركات الصناعية والخدمية في الفترة المقبلة؟
- هناك دول في أوروبا ستواجه مشكلة صعبة جدا، مثل اليونان والبرتغال. بدلا من توجه الاتحاد الأوروبي إلى المزيد من التواصل، الآن سينتقل إلى الانحلال، لأن دولة مثل ألمانيا غير مستعدة لأن تفلس كي تنقذ دول أوروبا الأخرى، لأنه في فترة الصعوبات يبدأ كل شخص يحمي نفسه. وفي 2011، سنسمع الكثير عن التغيير، وسيضطر كثير من قادة أوروبا والغرب عموما إلى مواجهة الشعوب. بصراحة أننا أمام أزمة اقتصادية حقيقية، ومن أحد أسباب هذه الأزمة التشابك الاقتصادي في كل مكوناته، ومنها أن الدولار الأميركي هو عملة الأساس والقياس، إضافة إلى أن النفط هو عنصر أساسي في تحديد مسيرة الاقتصاد. ودائما كنت أتوقع، وما زلت، أن سعر النفط المتوسط هو 100 دولار وهذا الكلام قلته عندما كان 30 دولارا وأنه سوف يصل إلى 100، وأكثر.
فالدولة المستفيدة من هذا الموضوع روسيا، ودول أخرى والدول النفطيةفي الوقت نفسه. أميركا كدولة نفطية مهمة، مصلحتها في رفع سعر النفط. في الحقيقة، ما نسمعه بأن سعر النفط عكس رغبة أميركا، وأنه محكوم بأسعار السوق، كلام ليس له أساس، إذ إن أميركا من مصلحتها رفع سعر النفط، وبخاصة أن معظم شركات نفط العالم أميركية.
> بمَ تنصح الدول العربية؟
- أنا لست ناصحا، إنما رأيي لم يتغير منذ طفولتي، لأن هذه الأمة خلقت لتكون أمة واحدة، الأمة العربية، وأن الخير أينما جاء فيها هو لها كلها. فأنا عندما أرى الازدهار في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج، فيسعدني ذلك وإن كنت أنا لست من تلك المنطقة، لأن خيرها سيعم الدول العربية كلها. عندما نتكلم عن دول مجلس التعاون لنفط سعره 100 دولار أو يزيد، فنحن نتكلم عن ضوابط حقيقية، ضوابط مخفية، وليس ضوابط اقتصادية. ودائما كنت أقول بأن كل النفط الموجود تحت الأرض في الخليج لا يكفي لبناء بنية تحتية في منطقة الخليج كتلك الموجودة في أوروبا، ورأس المال هذا ليس فائضا ولكن سيكون هناك سيولة هذه السيولة ستستثمر حكما في دول الجوار كدول العربية وأيضا ستنتقل وتتوسع كما نراها الآن، ونحن نرى كيف أن الدول العربية تستفيد من خيرات وازدهار دول المجلس التعاون وبطريقة متزايدة. وبحكم مهنتنا، نحن نعمل على كثير من المشاريع ونخدم الكثير من المشاريع التي هي رؤوس أموال خليجية مستثمرة في الدول العربية لم تكن كذلك في العقد السابق، وقبل التسعينات لم نكن نرى هذا الحجم من الاستثمار الخليجي في الدول العربية المشتركة. وأقول إن خير مكان لاستثماراتنا في وطننا أو في دول الجوار.. أولا في البلد نفسه، ثم في دول الجوار. وقد أثبت التاريخ ذلك، وبخاصة في هذه الأزمة الأخيرة.
> للمؤسسة نشاطات متعددة من بينها الأكاديمية، فكيف ينسجم هذا النشاط مع بقية النشاطات الأخرى؟
(>مجموعة طلال أبو غزالة< تضم 12 مؤسسة، من بينها أكاديمية للأعمال والترجمة والملكية الفكرية ومعهد لتعليم اللغة الصينية، بالإضافة إلى مؤسسة محاسبة تعتبر واحدة من كبرى المؤسسات في العالم في هذه المجال).
- منذ بداية هذه المؤسسة سنة 1972، ورسالة >مجموعة طلال أبو غزالة< لم تتغير، وهي تقوم على بناء القدرات العربية لخدمة الاقتصاد العربي، والتعليم جزء من بناء القدرات. وقد أقمنا الكثير من المؤسسات التي تعنى بالكفاءات المهنية، محاسب قانوني وخبير ملكية فكرية وخبراء وكتاب وخبراء تراخيص ونقل تكنولوجيا، وبدأنا أيضا في التدريب المستمر. وعندما يتخرج أي طالب أو يؤهل، فيجب أن يحافظ على استمرار تعليمه، ووجدنا أننا في حاجة إلى إقامة مؤسسات تعليمية، فبدأنا بكلية طلال أبو غزالة للأعمال، ولا نقوم بأي دراسة أي برامج تعليمية أخرى في مجال الكيمياء ولا في علم الاجتماع. كل نشاطاتنا تصب في كيفية خدمة الاقتصاد العربي. ونحن نخدم التطور، فعندما تتخرج الكفاءات في كلية طلال أبو غزالة للأعمال حيث القياسات على أعلى مستوى في العالم تخدم الاقتصاد، فكله يصب في كيفية بناء القدرات في خدمة الاقتصاد العربي. فعندما يقدم المشورة في الحكومات ووزارات التربية أو المؤسسات التعليمية، كيف تطور من هذه الخبرة، كيف تطور برامجها، نحن أيضا نخدم بناء القدرات، فرسالة هذه المجموعة منذ البداية لم تتغير.. بناء القدرات لخدمة الاقتصاد العربي.
والكل يعرف أن >مجموعة طلال أبو غزالة< أصبحت المجموعة الرائدة التي تحظى بثقة المجتمع الاقتصادي وصانعي القرار في العالم العربي، وهذا شرف كبير يحفزنا على مزيد من العطاء. وعلى الصعيد الدولي في كثير من المجالات، أصبحنا رقم واحد عالميا، مثل موضوع نشاط الملكية الفكرية ونحن أكبر شركة في الملكية الفكرية، وكذلك في مجال الترجمة من الإنجليزية إلى العربية، والعكس. وفي مجالات كثيرة لنا السيادة على مستوى المنطقة. وأود أن أقول إن الأمة العربية الآن في نهضة تاريخية، لكن أريد أن أميز هذه النهضة بأن القول >هذه فرصة تاريخية ولن تتكرر< ليس صحيحا.. الفرص مستمرة والنهضات مستمرة، والأمور تنتقل من مرحلة إلى مرحلة، وليس هنالك نقطة تحول في التاريخ، إنما هذه النقطة التي نحن فيها الآن بخلاف النقاط السابقة من تحولها، والنقاط القادمة فيها فرصة فريدة لهذه الأمة لتصبح ما تستحق. إن هذه الأمة أمة عظيمة.. نحن الآن أمام فرصة تاريخية لنستعيد دورنا في قيادة العالم. كل القيادات التي خلفت قيادة العرب للعالم لم تقد العالم بحكمة، وفي إسبانيا لا يتكلم عن الاحتلال العربي، وإنما مرحلة شراكة بين العرب وإسبانيا، لأن دورنا كان دورا حضاريا بروح العطاء والتعاون، ولم نقاتل من أجل التدمير والإرهاب. ولا أريد أن أقارن، لأنه لا تجوز المقارنة، فمثلا العدو الصهيوني يعتبر أن العلم محظور تحت الاحتلال، ونحن في مجمع المحاسبين عندما نريد أن نرسل كتبا للطلبة إلى فلسطين يمنعها الاحتلال، فنضطر إلى إرسالها عبر الإنترنت ونطبعها هناك ونوزعها سرا كأنها مخدرات.
ونقول إن ازدهار هذه المنطقة مطلوب، فنحن في مرحلة قريبة من المستقبل الذي أقول إنه إيجابي، لأن الغرب أصبح ينظر إلينا نظره جديدة، ونحن نتطلع إلى شراكه حقيقية معه.
> ماذا تقول للقمم العربية؟
- دائما أقول إن ما يعرفه القادة لا نعرفه نحن، وبالتالي لديهم اعتبارات وحسابات، لكن نحن نجتهد ونضع اجتهاداتنا تحت تصرفهم، وهم يملكون المعلومات كلها، فيستطيعون اتخاذ القرار الأصح والأفضل. ولكن حقيقة الأمر أننا نرى اليوم عالما غربيا تنكمش سوقه، وسيحتاج إلى السيولة وإلى أسواق جديدة و شراكات جديدة.. وأنا بذلك أقول إننا أمام مرحلة تاريخية جديدة من الشراكة والتعاون الاقتصادي الحقيقي مع الغرب، على أسس من المصلحة المتبادلة وليس على أسس الاستنزاف، وكل قرض كان يعطى وكل دين كان يُدَان للدول العربية كان استنزافا، ولن يؤدي أغراضه، ولن يهدف إلى بناء القدرات وتطوير الاقتصاد.
وأنا قارئ وتلميذ منذ 20 سنة وأنا أتابع صعود الصين، ودائما أقول إن الثروة تسير من الغرب إلى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب، ويجب على العرب أن يعرفوا أن أوروبا وأميركا والغرب لم تعد أسواقا مشجعة، وبخاصة أن أميركا نفسها والغرب يحاولون دخول أسواق الصين، والاستفادة من ثروات الصين. وقد قرأت تقارير لمراكز أبحاث أميركية في عام 1984 أين ستكون أميركا في عام 2025، وكان الكلام أن الصين ستكون القوة الاقتصادية الكبرى في العالم، وإذا حدث ذلك فستصبح الصين القوة الأهم سياسيا وعسكريا.
بدأ اهتمامي من 1984 بمتابعة السوق، وبدأنا ندرس كيف نكون كعرب لدينا علاقة مع الصين. والعلاقة مع الصين صعبة جدا، لأنهم ليسوا كالشركات الغربية في مشروع تعاقد معك. فهم يجب أن يعرفوك، ويجب أن يختبروك، وإذا وثقوا بك فتنفتح كل الأبواب. هذا ما حصل معنا منذ 20 سنة في علاقتنا بالصين، والآن أصبحنا شركاء، وأصبحت الصين تعرف المؤسسة التي اختبرتها وجربتها، وعملت جميع التحريات فلم تعد لدينا مشكلة بالتعامل مع الصين. والآن بدأنا برنامجا اسمه >العودة إلى طريق الحرير<.. كيف نعيد الصين وكل هذه المنطقة إليه.
> ما الذي يطمح إليه طلال أبو غزالة؟
- أقول إن هذه المنطقة بداية من الخليج فيها خير مقبل بلا شك، وفيها ازدهار مقبل، وخيرها سيعم كل دول الجوار، وبخاصة أن الأرضية السابقة للاستثمار أصبحت مشكلة، وهذا الازدهار سيكتمل مع خط على حد الصين. وأنا قدمت دراسة أقول بأنه سيتشكل فضاء أو تحالف صيني هندي عربي إقليمي، وستصبح هذه المنطقة هي السوق الأهم في العالم، وأمامنا عالم جديد يتيح فرصا لا حدود لها.