محمد الطوسي
حل الربيع، حلت معه النسائم، واكتست الأرض بهاء ودلالا وصفاء ونقاء وجمالا.
وانتشت النفوس وانتعشت وتآلفت مع الطبيعة. وعمت الفرحة القلوب المؤمنة بالله ذي النعم الوهاب. في الربيع تتجلى آيات الله على البسيطة، فتزدهي وتصبح خضراء بعدما كانت جرداء ملساء. وتهتز وتربو وتزداد رونقا وزهوا بإذن الله اللطيف الخبير. قال تبارك وتعالى : {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة إن الله لطيف خبير}(الحج : 61).
لقد حبا الله الطبيعة بآياته العظيمة الدالة على قدرته ووجوده. فبوجود الموجودات عُرف ربنا الواحد. قال تعالى : ٍ{ومن آياته أنك ترى الارض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت}(فصلت : 38).
إن خالق النعمة وبارئ النسمة يدعو عباده إلى النظر في رحابه الوارفة الظلال، اتعاظا واعتبارا وتفكرا وتدبرا. قال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الابصار}(الحشر: 2)
فمن مر ولم يعتبر فَقَدْ فَقَد الإيمان. قال تعالى : {قل انظروا ماذا في السموات والارض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يومنون}(يونس : 101) والطبيعة خلقها الله مسخرة لمصلحة العباد، فلا تُعمر ولا تَنقُص ولا تُسعد ولا تُشْقي ولا تريح ولا تتعب إلا بإذنه وحكمته عز وجل، فما شاء لها كان وما لم يشأ لم يكن، فليس لها تأثير ولا قوة ولا نفع ولا ضر… بل هي دائمة السجود والتسبيح لله رب العالمين، رب الكون وخالقه ومنشئه.
قال تعالى : {ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال}(الرعد : 16)
فإذا كان الظل الذي لا يفارق الإنسان، يسجد لله طوعا وكرها فكيف بصاحبه والطبيعة من حوله.
يقول الصابوني في صفوة التفاسير: ج 2 ص : 77 : أي وتسجد ظلالهم لله في أول النهار وأواخره، والغرض الإخبار عن عظمة الله تعالى وسلطانه الذي قهر كل شيء، ودان له كل شيء بأنه ينقاد لجلاله جميع الكائنات حتى ظلال الآدميين… ولقد تعلمنا من خلال الكتاب المسطور -القرآن الكريم- والكتاب المنظور ـ الكون بأجمعه أن من لم يتعظ بآيات الرحمة الممثلة في الطبيعة وما خلق الله فيها من بحار وأنهار وأشجار وحجر وورود وأزهار وكواكب وأقمار….. وكلها لمصلحة الإنسان وفيها معنى “التبشير” .
فمن لم يعتبر بها جاءته آيات النذر المُمَثلة في الطبيعة وما يصحبها المرة تلو المرة.. من رعد وبرق وصواعق وفيضانات وزلازل.. تأتي فتخرب الدور والقصور.
قال تعالى : {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}(الإسراء : 59) أي وما نرسل بالآيات الكونية كالزلازل والرعد والخسوف والكسوف إلا تخويفا للعباد من المعاصي.
قال قتادة : إن الله يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويرجعون (صفوة التفاسير).
سبحانك ربي عز شأنك وجل ثناؤك.