الأخ الأستاذ الـمهدي بنونة وتوبة الدكتور عبد الهادي مسواك رحمهما الله تعالى


الأخ الأستاذ المهدي بنونة رحمه الله من أسرة عريقة وابن المصلح الحاج عبد السلام بنونة أول شاب مغربي طلب العلم في فلسطين بمدينة نابلس – مدرسة النجاح التي  كان من ألمع أساتذتها الدكتور طوقان والأديب الكبير أكرم زعيتر وغيرهما.

وقد أخبرني الأستاذ محمد بن الحسن الوزاني الزعيم السياسي الذي  نسيه أقرب الناس الذين تخرجوا على يده بأنه هو الذي اقترح على الحاج عبد السلام بنونة أن يرسل أولاده لهذه المدرسة اللامعة. وكان الحاج عبد السلام بنونة رجل إصلاح كبير وله في هذا الميدان جولات كثيرة فقد ملأ تطوان شركات ومشاريع وكان وراء كثير من عوامل النهضة في هذه المدينة المتحضرة وبعده كان هناك تنافس بين الشيخ محمد المكي الناصري والاستاذ عبد الخالق الطريس في ميادين الإصلاح والتعليم وإرسال البعثات التعليمية إلى الخارج استمرارا لجهود المؤسس والمصلح الحاج عبد السلام بنونة.

عرفت آل بنونة عن طريق خالي الفقيه أحمد المقدم المرابط الذي دشّن الوعي الوطني السلفي بشفشاون إثر عودته من فاس آخر سنة 1930 وقد أسس بهذه المدينة الصغيرة مدرسة للتعليم ومحاربة الأمية كما جمع الشباب على القراءة القرآنية بالمصاحف بالجامع الأعظم قبل صلاة الجمعة عملاً بما رآه بفاس التي كانت أول من دشنت هذه العادة بجمع الشباب والمتدينين على الاجتماع حول القرآن الكريم قبل صلاة الجمعة وكان متزعم هذا العمل المبارك الأستاذ المصلح الشيخ الحاج الحسن بوعياد وبالرباط بدأها المؤرخ والعالم الشيخ عبد الله الجراري رحم الله الجميع.

وقد أكرمني الله بملاقاة الأخ الأستاذ المهدي بنونة في رحلة جوية مباركة من جدة إلى الدار البيضاء.. وقد تطرق حديثنا إلى قصة الأخ  الصديق الدكتور عبد الهادي مسواك أستاذ الحلق والحنجرة والأذنين بكلية الطب الذي تجاوبنا تجاوباً صادقا بمناسبة بعض الاجتماعات الرسمية بالرباط.. وكان إذاك شيوعياً ولكنه كا ن مؤمنا مثل الأخ الشهيد عزيز بلال وغيرهما ممن تشيعوا لأفكار موسكو دون أن يفقدوا إيمانهم.. وقد ابتلي بمشكل عائلي ثم بمرض عضال فالتجأ إلى الله ورغب إلى صديقه الأخ الأستاذ المهدي بنونة أن يصحبه إلى أداء سنة العمرة فرافقه في رحلة مباركة وأديا العمرة في جو روحاني عظيم وكان الدكتور يبكي ويبكي ويدعو الله في الطواف والسعي… ثم ذهبا لزيارة الروضة الشريفة وبينما هما أمامها للسلام على سيد ا لخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإذا بالدكتور مسواك يلاحظ “أحدهم” وهو يتمتم أمام الروضة من جانب آخر وكان “ذاك” يقرأ دلائل الخيرات وهو يحرك شفتيه وجسمه فانبرى الدكتور مسواك مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : >يا رسول الله لا تثق بهذا فإنه وإنه..< قال له الأستاذ بنونة رحمه الله : دعك يا دكتور من هذا وأقبل على الدعاء لك ولي وللوالدين وللمسلمين. فرد عليه الدكتور لابد من فضح هؤلاء وأمثالهم ممن نكبت الأمة بهم فابتسم الأستاذ المهدي وظل في الدعاء في هذا المقام الشريف.

كانت الرحلة مو فقة عاش فيها الرجل في جو روحاني سام لكنه ازداد شوقاً إلى مكة والمدنية وقد كان يشعر بدنو أجله فعزم على أداء فريضة الحج وقد أنجز ذلك في تلك السنة وهي التي توفي فيها رحمه الله رحمة واسعة، ومنذ سماعي قصة هذه التوبة المباركة وأنا أهم بإفادة الإخوة القراء بها لما فيها من عبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد… وقصص توبة كثير من الشيوعيين والملحدين جديرة بتسجيلها ونشرها بين الأجيال الصاعدة ومنها توبة الدكتور الداعية ومبدع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الدكتور مصطفى محمود رحمه الله..

ومن الفوائد التي لا أنساها تلك التي لفت الأستاذ المهدي بنونة رحمه الله إليها في تلك الرحلة المباركة. كانت عودته من رحلته إلى بعض الدول الإفريقية حيث انعقد مؤتمر للصليب الأحمر والهلال الأحمر.. قال لي إن العرب مقصرون كثيراً بإعراضهم عن حضور هذه المؤتمرات التي شاهدت فيها الحضور المكثف لمنظمات وجمعيات كنسية وتنصيرية وغياب العرب الذي يعود عليهم بالضرر الفادح وحكى بعض ما يجري في هذه المؤتمرات ذات الأهمية القصوى.

أرجو أن يكون الأستاذ المهدي بنونة قد ترك لنا وللأجيال المقبلة تجاربه وحياته أثناء كفاحه لتحرير ا لمغرب وخلال قيامه بأعمال كبيرة وعظيمة لصالح أمته وشعبه فالرجل كان يحمل هموم المغرب وهموم العالم الاسلامي لأنه تربى في بيئة إسلامية إصلاحية ذات أهداف سامية ومقاصد شريفة عظيمة.

رحمه الله رحمة واسعة وعزاؤنا فيه لأخوانه وأحبابه في تطوان والمغرب فاللهم أجرنا في مصابنا واخلف لنا خيراً منه.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>