من ينقذ اليهود من مصائر بائسة.. يصنعها غلاتهم؟


>إن المرارة التي يشعر بها الفلسطينيون ستؤدي إلى وضع خطير، وإن ما يجري يمس مصالح الولايات المتحدة<.. الـــــرئيس الأميـــــركي باراك أوباما عام 2009.

بعد ذلك، أي خلال أقل من عام: زادت المرارة، وزاد تهديد مصالح الولايات المتحدة، بدليل:

1-  >إن التصعيد الإسرائيلي يهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة<.. هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية.. الأسبوع الماضي.

2- >إن إعلان إسرائيل بناء 1600 وحدة سكنية يهودية في القدس الشرقية (إهانة) للولايات المتحدة ويعرض السلام للخطر<.. ديفيد أكسلرود كبير مستشاري أوباما.. الأسبوع الماضي.

3-  >إن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يقوض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وإن سياسة نتنياهو تهدد وجود وأمن القوات الأميركية في الدول الإسلامية كالعراق وأفغانستان، وتضعف تحالف الولايات المتحدة مع الدول الصديقة والمعتدلة، وتزيد من حدة المشاعر المعادية للأميركيين بسبب فكرة محاباة الولايات المتحدة لإسرائيل<.. في الأسبوع الماضي أيضا.

ماذا بقي بعد هذه الشهادات المخيفة؟

بقي أن تقصف الولايات المتحدة إسرائيل وتدمرها بحسبانها (عَدُوًا) خطيرا لمصالحها وأمنها القومي، بيد أن الأمر لا يتطلب هذا النوع من العمل العنيف..

وإنما يتطلب حماية مصالح الولايات المتحدة من الاستهتار الإسرائيلي الفج بها.. وإذا أرادت أميركا أن تفعل ذلك فإنها تملك الوسائل والقدرة الكافية على تنفيذه.. وإذا لم تقم الإدارة الأميركية بهذا القدر الضروري من حماية مصالح الجمهورية الأميركية فإنها تكون قد انتخبت لـ>خيانة< أميركا، أي خيانة مصالحها الحيوية، وأمنها القومي. فالقَسَم الرئاسي لا غاية له إلا حماية المصالح الأميركية بنزاهة وشجاعة.

ومن المفارقات المذهلة: أن هذا التفريط المرعب في مصالح الولايات المتحدة لا يخدم إسرائيل أيضا!

كيف؟

بالنسبة لإسرائيل فإنها ستبوء بخسارة >قاتلة<..

فهذا الإهدار الفج والغبي لمصالح أميركا سيعجل بـ>ظهور هتلر جديد< في أميركا، يتكون برنامجه من نقطة واحدة هي حماية مصالح أميركا وأمنها من >العبث الصهيوني< أو >الأنانية اليهودية<..

والمستفيدون من عبرة التاريخ يدركون أن (حماية مصالح ألمانيا) كانت هي النقطة المركزية في أجندة أدولف هتلر الذي سبب موقفه العنيف من اليهود بسببين:

الأول أنهم تعاونوا مع غيرهم على إنزال الهزيمة بألمانيا في الحرب العالمية الأولى..

والسبب الثاني هو: أن اليهود تسببوا في الانهيار الاقتصادي الكبير الذي ضرب ألمانيا عام 1929.

ومما يقرب احتمال الصدام الأميركي الصهيوني (في حالة تقديم القادة الأميركيين مصالح بلادهم على أهواء غلاة اليهود): أن رئيس وزراء إسرائيل رجل ممتلئ كبرا واستعلاء وصلفا (وقصر نظر) أيضا. يتخيل أنه يقود العالم ويأمره فيطيع.. مثلا عندما اختلف مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، هدد الرئيس الأميركي بأنه سيجعل عليه البيت الأبيض نارا!!.

ويبدو أنه مملوء اقتناعا وتعصبا بـ>نظرية المعزة< وهي من اختراع والده.. يقول بن تسيون نتنياهو (والد بنيامين نتنياهو): >إن العرب واليهود مثل اثنتين من الماعز على جسر ضيق لا يسعهما معا. ومن ثم فعلى واحدة منهما أن تقفز إلى البحر لتفسح الطريق للأخرى. والقفز من جانب اليهود يعني الفناء. أما قفز العرب في البحر فيؤدي إلى فناء جزء صغير منهم حيث إن العرب عددهم ضخم ينتشرون على مساحة كبيرة من الأرض<..

نعم. فنتنياهو الابن يتبنى – بحماسة شديدة – نظرية والده في الإغراق والإبادة، ويعمل على تطبيقها بقرارات رسمية، وجيش نظامي.

ومن مظاهر استعلائه وصلفه: أنه حينما كان رئيسا للوزراء عام 1996، أدلى بحديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي قال فيه: >إن السلام الحقيقي مع العالم العربي لن(!!!!) يتحقق حتى تنتشر الديمقراطية وتتأصل هناك<..

وفحوى كلامه أنه يريد أن يقيم أنظمة عربية على (مزاجه)، وإلا فهو كاذب في دعوى الديمقراطية هذه.. فطلاب العلوم السياسية المبتدئون يعلمون أن الديمقراطية تعني أول ما تعني: حرية اختيار الشعوب، فهل طبقت الدولة العبرية هذا المفهوم الديمقراطي في علاقتها بالفلسطينيين؟..

الواقع يقول: إن الصهيونية الحاكمة في فلسطين المحتلة تصادر -بتصميم وعمد ومثابرة- حرية اختيار الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.. فأي ديمقراطية يأمرنا بها نتنياهو: {أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}.. والآية نزلت في أمثاله من الذين يعانون الانفصام بين القول والسلوك.

إن >الجنون الصهيوني< لا يزال يتصاعد حتى أمسى مهددا لأمن العالم وسلامه.. فإلى جانب اكتواء العرب بناره، وتذمر شرائح أميركية واسعة من ضغوطه وآثاره: تتسع يوما بعد يوم دائرة تذمر العالم من نتائج هذا الجنون والحمق..

فمنذ سنوات أجرت المفوضية الأوروبية استطلاعا (رسميا) للرأي العام الأوروبي حول الحروب ومهددات السلام والأمن الدولي – وهو استطلاع ينبغي التحديق فيه بعلم ووعي وجد – : التحديق في حجمه ومصدره.. والتحديق في نتيجته ودلالته وأثره. فحجم المشاركين فيه بلغ 7515 مشاركا، وهي عينة مشبعة ومعتبرة بمقياس منهج البحث العلمي.. أما مصدره فهو جهة رسمية ممثلة للاتحاد الأوروبي وهي المفوضية الأوروبية.. أما نتيجته فهي: أن 59% ممن أخذ رأيهم قالوا: إن إسرائيل هي أول وأخطر بلد يهدد السلام العالمي.. أما دلالة الاستطلاع فهي أن الأوروبيين أدركوا بوعيهم وحريتهم واستقلال تفكيرهم (ليس هناك حكومة عربية قدمت لهم رشاوى)!!: أن إسرائيل هي الخطر الأول على السلام العالمي..

لماذا وقف الرأي العام الأوروبي هذا الموقف؟

لا يُستبعد أن يجيب كذاب صهيوني بأن الإسلام هو المتسبب في هذا الموقف، كما لا يُستبعد أن يجيب خائن عربي بأن (الوهابية) هي التي أملت على الأوروبيين أن يقولوا ما قالوا!!.

بيد أن الأمر أوضح وأكبر وأعمق من هذه الأكاذيب والخيانات.. فمن الأسباب الموضوعية لهذا الاتجاه الأوروبي الغالب المستنير: أن الأوروبيين يشاهدون يوميا صور المظالم التي تنزلها إسرائيل بالفلسطينيين، وهي صور ومظالم تدمي ضمير كل إنسان لم يزل يشعر بإنسانيته..

ومن هذه الأسباب أن الأوروبيين ينفرون نفورا شديدا من الحرب، ومن كل من يتسبب في تعطيل السلام وإجهاضه. ومن حقهم أن يقفوا هذا الموقف، ففي قارتهم دارت أكبر حربين عالميتين في التاريخ البشري كله، احترق فيهما ملايين الأوروبيين، وهم يدركون أن يد الصهيونية كانت من بين الأيدي التي أججت تلك الحروب في هذه الصورة أو تلك.

وهذا الجنون الصهيوني أرعبعقلاء اليهود أنفسهم في هذا العالم، من حيث انه جنون سيؤدي -لا محالة- إلى مصائر بائسة يتجرع مرارتها جميع يهود العالم، وليس غلاتهم من الصهيونيين فحسب.. ومن هؤلاء اليهود:

1) المفكر اليهودي الأميركي البارز نورمان فينكلشتاين، صاحب الكتاب الذائع الصيت (صناعة الهولوكوست)، فقد ألف كتابا آخر بعنوان (ما بعد التشوتزباه).. أي (ما بعد الوقاحة).. وفي هذا الكتاب يحذر الكاتب يهود العالم من مخاطر الانجرار وراء الدعاوى الصهيونية الكاذبة، ومن سلوك دولة إسرائيل العدواني..

ومما قاله في هذا الكتاب: >إن هناك إجماعا متزايدا في المؤتمرات والمنتديات الدولية على أن إسرائيل تقوم بانتهاك حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة بطريقة منهجية، وإن هذه الوحشية مستقاة من تحريفات متعمدة لتراث اليهود وتاريخهم. وهذه كلها وقائع ستقود في النهاية إلى الضرر الجسيم بسمعة اليهود ووجودهم في العالم<.

2) وجّهيهود أميركا المستقلون (معادون للصهيونية) خطابا قويا صريحا إلى الرئيس السابق بوش الابن أعلنوا فيه براءتهم من السياسات الإسرائيلية العدوانية، وطالبوه بالكف عن وصف إسرائيل بـ>الدولة اليهودية< لأنها لا تمثل – في حقيقة الأمر – جميع يهود العالم الذين يعارضون قيامها من حيث المبدأ.

3) في بريطانيا قامت حركة يهودية قوية باسم >الأصوات اليهودية المستقلة< تناهض سياسة إسرائيل الوحشية وتتبرأ منها من حيث انها >سبة في جبين كل يهودي<.. وقد انتظم في هذه المنظمة يهود من الوزن الثقيل أمثال: إريك هوبسباوم وهو أكاديمي ومؤرخ محترم.. وهارولد بنتر الأديب والكاتب المسرحي الحائز على جائزة نوبل.

وخلاصة الموضوع: أن هناك إجماعا أو اتفاقا عالميا يوشك أن ينعقد على أن إسرائيل قد تجاوزت كل حد في عدوانيتها وعنصريتها، وأنها أصبحت مصدر تهديد جدي للأمن الإقليمي والسلام العالمي، وأن يهودا عقلاء كثرا يجأرون بالبراءة مما تفعله خوفا على مصائر اليهود المسالمين.

وبالعودة إلى العلاقة بين أميركا وإسرائيل نقول: إنه على الرغم من تلك التصريحات الأميركية الواضحة بأن ما تفعله إسرائيل يتسبب في الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي، على الرغم من ذلك قد (تصهين) الإدارة الأميركية، ولا تفعل شيئا – ضد إسرائيل – يرتفع إلى مستوى التهديد لمصالحها. وذلك تحت ضغوط اللوبيات الصهيونية المعروفة. فإذا استجابت الإدارة الأميركية لهذه الضغوط فإنها تكون قد فرطت في مصالح وأمن بلادها (ربما لكسب حفنة أصوات في الانتخابات النصفية القادمة للكونغرس)، وتكون – في الوقت نفسه – قد جلبت مزيدا من تدهور سمعة أميركا وسوء صورتها لدى الرأي العام الإسلامي في العالم، أي تكون قد عملت عكس ما أعلنته هذه الإدارة مبكرا وهو: تحسين صورة أميركا لدى مسلمي العالم.

كل ذلك من أجل نتنياهو وليبرمان، ومن أجل حفنة أصوات في الانتخابات النصفية للكونغرس!!..

أي دولة قوية هذه؟ أي حضارة هذه؟.. أية حقوق إنسان هذه؟.. أية ديمقراطية هذه؟!!!.

زين العابدين ركابي

> عن الشرق الأوسط ع 2010/3/20

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>