عن الأسود بن يزيد قال : سئلت عائشة رضي الله عنها : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله يعني : خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة<(رواه البخاري).
إن من أسباب التماسك الأسري تواضع الزوج داخل البيت واقترابه من أبنائه وزوجته حتى يكون في خدمتهم، والقدوة في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن عائشة رضي الله عنها قالت : “ما كان إلا بشرا من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه” وفي رواية : >يخيط ثوبه، ويخصف نعله” وفي لفظ “ويرقع دلوه<(الترمذي في الشمائل والإمام أحمد وابن حبان).
بمثل هذا التواضع يستطيع أبناؤك الجرأة على سؤالك واستشارتك، وبذلك تجعل زمام أمورهم بين يديك.
وهذا سبيل العلماء في أسرهم. قال ابن بطال رحمه الله تعالى : “فيه أن الأئمة والعلماء يتولون خدمة أمورهم بأنفسهم، وأن ذلك من فعل الصالحين. وقال ابن حجر رحمه الله تعالى : وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله.
ومن مظاهر التواضع داخل البيت ما جاء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال : وقال : “إذا سقط لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان” وأمر أن تسلت القصعة قال : >فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة<(رواه مسلم).
قال الجوهري رحمه الله تعالى : حكى أبو عبيد حاطَهُ وأماطه نحاه. انتهى. وقوله صلى الله عليه وسلم: >وأمرنا أن نسلت القصعة< معناه : نمسح ما فيها من الطعام ونلعقه، ولا نترك ما بقي فيها يضيع، وكذا ما وقع على الأرض، وهذا من أهم دروس التواضع التي يلقنها الرجل لأبنائه داخل بيته.
قال القرطبي رحمه الله تعالى : يعني : أنه إذا تركها : ولم يرفعها فقد مكن الشيطان منها، إذا تكبر عن أخذها ونسي حق الله تعالى فيها، وأطاع الشيطان في ذلك. إذ قد تُكُبِّر عليها، وهو متكبر.. وهذا كله ذم لحال التارك، وتنبيه على تحصيل غرض الشيطان من ذلك(المفهم ج 5 ص 302).
ومن التواضع داخل البيوتات أنك إذا دعيت إلى فقير أجبته، فإن ذلك كان هدي أشرف الناس أجمعين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >لو دعيت إلى كراع أو ذراع لقبلت. ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت<(رواه البخاري).
وهذه إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنه كان متواضعا مع الناس أجمعين غنيهم وفقيرهم، فيجيب دعوة الكل.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : >خص الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير، لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها والكراع لا قيمة له<.