مــصباحك لن ينطفئ!!


إن المصاب جلل والرزية كبيرة، ولكن قال حبيب الأمة محمد  حين فقده لفلذة كبده ابراهيم (فريد) :”تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب. لولا أنه وعد صادق وموعود جامع وأن الآخر تابع للأول لوجدنا عليك يا إبراهيم (يا فريد) أفضل مما وجدنا، وإنا بك لمحزونون “.

فأقول لجميع أفراد أسرته الصغيرة -وأنا واحد منهم – وإلى جميع أفراد أسرته الكبيرة “من طلبة العلم وعلماء ودعاة وعامة الأمة” أعطانا الله على ما رزئنا أجرا، وأعقبنا صبرا، ولا أجهد الله بلاءنا بنقمة، ولا نزع منا نعمة، ثواب الله خير لنا، ورحمة الله خير له، وأحق ما صبر عليه ما لا سبيل إلى رده.

وإن كان من أحد سيتألم كثيرا لفقده، فهو عبد ربه، الذي عرفت الفقيد طالبا مجدا يحب الخير للجميع، وعرفته صهرا حبيبا، رب بيت عظيم، خدوم، رقيق، قنوع، كريم. كما عرفت فيه الأخ الناصح، والموجه الأريب، والصديقالوفي المخلص.

لقد أحبه الله فابتلاه، فكان ممن قال فيهم الحبيب المصطفى :”من يرد الله به خيرا يصب منه”، وقد أصيب رحمة الله عليه، في بدنه، وقبل ذلك أصيب في فلذات كبده، ابتلي بمرضهم فصبر واحتسب، عانى من ذلك في صمت، ودعا ربه قائلا : رب إن الضر قد مس أبنائي، وأنت أرحم الراحمين، فلطف به الرحيم الرحمان، وجاء الشفاء منه سبحانه.

وعانى في سبيل الدعوة إلى الله، إذ كانت حرقته على التدين شديدة، وغيرته على تطبيقه أشد، فجاهد من أجل تجديده بما يسر الله له، من خطب، ومواعظ، وكلمات، وندوات،و محاضرات، وتوجيهات.

لكن حب الله له لم يتوقف، فكان أن ابتلاه في جسده، فما تألم ولا استكان لمرضه، بل وهو في فترة المرض، فاضت أفكاره رحمه الله، ونطق قلمه وجادت قريحته، بكتاب الفطرية ومجالس القرآن، بل وهو في الساعات الأخيرة من حياته، كتب قصته الفرسان.

لكن إرادة الله فوق كل إرادة، وحب الله له ماتوقف، فكان أن اختاره إلى جواره،

ولا راد لاختياره وقضائه، ولو اطلعنا على الغيب لوجدنا أن ما اختاره الله هو الأفضل.

وكأنه تلقى الرسالة، فكان أن تحدث مع الزوجة الصابرة المحتسبة في آخر لحظات عمره، قائلا: “أدعو الله بأن يقويك على المسؤولية”.

فأقول لنفسي ولإخوتي عبر هذه الأسطر، اعلموا أن الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بد مما هو كائن، وقد جاء ما لا يرد ولا سبيل الى رد ما قد فات.

فما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الغنيمة غدا، فلنستقبل المصيبة بالحسبة نستخلف بها نعما: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون}. فلا يحزننا الله تعالى، ولا يفتننا، وأثابنا ثواب المتقين. آمين.

ونحن على عهده، وعلى خطاه في العلم والعمل، لأنه ممن جمع بينهما رحمه الله، وقد كان موجهي فيما وصلت إليه من اختيارفي التوجه العلمي الشرعي، وموجه مشجع فيما نشرت من تآليف : مثل كتاب “خيرية الأمة بين كنتم ومتى تكون “، وكتاب “نظرات في فن الخطابة”، وكتاب “جدد ولادتك”، وقد كنت أعمل فيه وهو يشتغل على كتابه “الفطرية”، وقد طلب مني التعجيل به لأن الناس بالفعل قد ابتعدوا عن الفطرة.

فرحمة الله عليك أخي فريد، نم قرير العين مرتاح البال، لأننا سنسير على الدرب الذي توقفت خطواتك فيه، ومصباحك لن ينطفئ، ونوره الذي توهج سيستمر بإذن الله، وكيف ينطفئ مصباحك ونورك…ولك أبناء من مسيرة العلم، وأبناء من صلبك سيخلفونك إن شاء الله. ونحن أهل لهم، سنعيش لهم آباء وإخوة وأصدقاء بإذن الله السميع العليم. وسنعيش لمجالسك القرآنية، بإحيائها والعمل على إتمام منهجك  فيها.

د. أحمد بن محمد العمراني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>