حتى لا تـغـرق السفينة(الأخيرة)


ج-1-  زاد السفينة وصــمام أمــانـها:

إن أول ما تحتاجه سفينة المجتمع المرشحة للإبحار في اتجاه النصر الموعود، طاقم  يتألف من الأقوياء الأمناء، العارفين بالمسالك والمهالك، ذوي الدراية بالمحيطات والمرافئ والخلجان والشطآن، أي خريطة الإبحار التي لا يند عنها صغير أوكبير، مما يحتاجه ركاب السفينة.

وثاني ما تحتاجه السفينة من زاد، ركاب مخلصون ديدنهم الصلاح والرشاد، يعرف كل واحد منهم حدود علاقاته وتصرفاته، وينضبط لأخلاق التصرف والسلوك داخل حرم السفينة ورحابها، وهي أخلاق تقوم على الاستشارة والاستخارة، والضبط والانضباط، والنصح والانتصاح، والزهد في الدنيا، وابتغاء الدار الآخرة، فضلا عن الشورى العامة التي تنشر سلطانها وتلقي بظلالها على مرافق السفينة كافة.كما تقتضي تلك الأخلاق أن تقوم علاقات الأعضاء على التعاون على البر والتقوى، والأنفة من كل مرذول من الشيم والعادات. بقول الله سبحانه: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب}(البقرة: 197).

وثالث ما يتوقف عليه الإبحار الثابت والحثيث لسفينة المجتمع، ذكر لله مستمر وكثير، يربط صلة الأعضاء بربهم، برباط الأنس والخشية، والخوف والرجاء، استجابة لأمر الله عز وجل:” يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا}(الأحزاب :41- 42)، وإذا كان ركاب السفينة بمثابة دواليب السفينة وأجهزتها، فإن الذكر مما لا شك فيه، هوالعاصم لها من الصدأ، وقبل ذلك من الجفاف، وهوعون لها على الجريان الواثق في عرض المحيطات والبحار.

وثالث مقوم ينبني عليه أمن السفينة وسلامة إبحارها، تحصينها بقوة ترهب الأعداء، المتربصين بها الدوائر، فلا سلامة لسفينة تبحر في العراء، وتأمن كيد الأعداء.يقول الله سبحانه وتعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم}(الأنفال:60).

ورابع عنصر ومقوم يتوقف عليه أمن سفينة المجتمع، وهومقوم يلقي بظلاله على سائر أرجائها، ويشكل مناخا سليما، يسمح لكل القوى المكنونة أن تخرج، ولكل المواهب الكامنة أن تتفتق وتنمو، وتورق وتزهر وتثمر، هومقوم الشريعة بأحكامها الغراء، ونظمها العصماء، وقيمها الحسناء.

وخامس مقوم، متضمن في السابق، ولكن من باب ضرورة إبرازه، نخصه ببند خاص، لاسيما وهوجوهر القصد من الحديث النبوي الشريف الذي نحن بصدده: إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهوالحصن الحصين على مستوى حمى السفينة الداخلي، الذي يصد عنه غوائل الفيروسات والجراثيم القاتلة، ويمنعها من التعشيش والاستفحال.

ج2- – سفينة المجتمع وضرورة التعهد والصيانة:

إن سفينة المجتمع، التي تستفرغ الوسع من أجل الوصول إلى بر الأمان وتحقيق المقاصد والأهداف، وهي ترقية الحياة وترسيخ الكرامة للإنسان عبر تعبيد الناس لرب الناس، لا مناص لها، وهي التي تغالب قوى الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، من أن تصاب بالتعب والارتخاء، بفعل آثار المغالبة والصراع، وهذا يفرض ضرورة الصيانة بين فترة وأخرى، من أجل التخفف من أوضار الصراع وأوهاق الإبحار.ولذلك فإن قانون سفينة المجتمع في المنظور الإسلامي، يقضي بإخضاعها لعمليات صيانة دورية  يستفيد منها كل الأعضاء بدون استثناء، لتقوية العزائم وشحذ الهمم، وتجديد الإيمان، من أجل مواصلة الإبحار ومغالبة الأمواج، ولسان الجميع يلهج في خشوع وثبات ويقين ببلوغ المراد: {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم}(هود:41).

وتتم هذه العمليات الدورية للصيانة، من خلال محطات أسبوعية كما هوالأمر بالنسبة لصلاة الجمعة، وسنوية كشهر الصيام، ومرة في العمر عدا النوافل والتطوع، كما هوالأمر بالنسبة للحج والعمرة. إن أثر هذه العبادات والقربات بالنسبة لأعضاء سفينة المجتمع، هي شبيهة تماما بأثر صيانة السفن الخشبية، عندما تدخل إلى الأحواض الخاصة بذلك، لتشحيمها وضبط دواليبها، فتواصل الإبحار بعد ذلك، وهي أشد صلابة وتماسكا.

> ج3- لا تخرق السفينة ولا تتسبب في خرقها :

إن حديث السفينة يحمل خطابا دقيقا وواضحا {لمن كان له قلب أوألقى السمع وهوشهيد}(ق:37) : حذار من أن تخرق السفينة أوتتسبب في خرقها فتبوء بإثمك وتكون على خطر من أمرك، ولا يشفع لك في صنيعك ذاك، أن تزعم نية الإصلاح، فلا يعذر عاقل بالخلط بين الحق والباطل، وبين الإصلاح والإفساد. فـ>إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه<(رواه البخاري ومسلم).

خــاتــمـة:

إن الذين تبدولهم سفينة المجتمع هادئة مستقرة، رغم ما يعتلج فيها من آثام، وينخر فيها من معاصي وذنوب، إنما هم ذووالرؤية القاصرة والنظر الكليل، بفعل حجاب الشهوات، أما ذووالرؤى الناقدة النافذة، فيرون تلك السفينة على خطر عظيم، لما يبصرونه من هول الأمواج التي ترجها رجا، وتعلوبها وتهبط عبر تيارات رهيبة، فيشفقون لحالها، ويخشون على مصيرها، وقد يبكون بكاء مرا، لضعف النصير وقلة الزاد، ولا يملكون إلا الابتهال والدعاء، لرب العباد، بكشف الغمة ورفع البلاء، واستفراغ الجهد، إبراء للذمة وتخفيفا للعناء.

إن قاعدة القواعد التي ينبغي أن يعض عليها بالنواجذ، هي أن سفينة تبحر بشراع الإيمان، خليقة بأن تكلأها عين الرحمن، وتصير إلى بر الأمان، إنها سفينة رائدها البر والإحسان، ووظيفتها الشهود على الناس، برسالة الخلاص، والحمد لله رب العالمين.

د.عبد المجيد بنمسعود

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>