وعــود الإســـلام


إننا لا نستطيع اليوم أن نتقدم بقمر اصطناعي أو مركبة فضائية لإنقاذ العالم من الورطة التي وضعته فيها النظم الغربية ذات الخلفيات الفلسفية التي عرفت كيف تتعامل مع العالم لكنها أخفقت في التعامل مع الإنسان.

إن روسيا الشيوعية نفسها بدت في نهاية الأمر امتداداً لهذا المنظور.. فرعاً من فروع الحضارة الغربية، إذا استخدمنا تعبير الكاتب الروماني (كونستانتان جيوروجيو) في رواية (الساعة الخامسة والعشرون).

ذلك هو المنفذ الذي يمكن أن يمرّ من خلاله عالم الإسلام لكي يمارس بالفعل دوراً حضارياً .. ثورة جديدة قائمة على الفهم الإنساني لطبيعة الإنسان ووجوده ومصيره..

لكن ذلك ليس مجرد حلم بعالم سعيد يرجع فيه الإنسان لكي يمارس دوراً هو بحجمه تماماً، فيتوحّد ويزداد قدرة -في الوقت نفسه- على تنفيذ حوار أشدّ فاعلية والتحاماً مع العالم والكون والوجود ..

ليس حلماً وإنما فعل موصول يسعى للتحقّق في الزمن والمكان، وإلاّ فإنه لن يمارس شيئاً. إن ” إسلام المستقبل ودوره في العلاقات الدولية “، يقول فقيه القانون الدولي المعاصر (مارسيل بوازار) في كتاب (إنسانية الإسلام)، هذا الدور لا تجيء به الأماني والأحلام، وإنما هو “رهن بما يصنعه المسلمون أنفسهم”. وبهذا وحده يعود هذا الدين، كما يقول الرجل “إلى الظهور في العالم المعاصر بوصفه أحد الحلول للمشكلات التي يطرحها مصير الإنسان والمجتمع”.

والحق أن أهمية المشاركة الإسلامية تبدو أيضاً في نظر (بوازار) “في التوازن الذي يمنحه الإسلام، بما أنه تعبير عن روح ديني، لمسيرة المجتمع البشري، بين التقدم المادي التقني، وبين المطامح الروحية والإنسانية عامة. لاسيما وأن الانخراط في المجتمع التكنولوجي، والمواجهة بين الإسلام والثورة التقنية، لا تدفع المسلم إلى إنكار موقفه الديني، بل إلى تعميقه أمام العالم وأمام الله، متوجبّاً عليه محاولة إدراك الإمكانيات بشكل أفضل، في إطار إسلامي شامل”.

ليس (بوازار) وحده، ولكنه حشد من المفكرين والفلاسفة والمؤرخين والعلماء :

(ليوبولد فايس)، (سارتون)، (درمنغم)، (دينيه) (مونتكمري وات)، (لورافيشيا فاغليري)، (سيغريد هونكه)، (كويلر يونغ)، (موريس بوكاي) و (غارودي)..

والأخير بالذات يقدم في كتابه (وعود الإسلام) ملاحظات خصبة عن المشاركة العالمية للإسلام. والكتاب، كما هو واضح، يحمل بعداً مستقبلياً وبالتالي فإن مادته القيمة ستصب هناك لكي ترسم للإنسان المعاصر، الحائر، الممزّق، ما يمكن أن تقدّمه له الخبرة الإسلامية.

ولو أتيح للقراء الإطلاع على الكتاب فإنهم سيجدون كيف أن الرجل يؤكد أبعاد التميز الإسلامي في العالم. بعبارة أخرى : الإضافة الحقيقية التي يمكن أن تعطي مبّرراً كافياً لفاعليته المستقبلية في خلاص الإنسان.

توازن الإسلام ووسطيته، قيمه الأخلاقية، ثم رؤيته الشمولية، وقدرته على منح المغزى لمسيرة الحياة البشرية في هذا العالم.

وهو ينتهي إلى أن المسألة برمّتها إنما هي “قضية مستقبلنا.. قضية مستقبل جميع البشر”. وبالتالي فإن الإسلام، ومنظومة القيم التي تنبثق عنه، ليحملان “بذور تغيير جذري على مستوى الإنسانية”.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>