منذ سنوات قليلة خلت فاز فيلم “لائحة شندلرز” Schindler’s List لمخرجه الأمـــــريكي (سبيلبرغ) بسبع اسكارات ذهبة لأول مرة في تاريخ السينما العالمية. والفيلم مصور بالأبيض والأسود بطريقة احترافية عالية، ويدور حول ما يسمى بالمحرقة Holocost التي تعرض لها اليهود على يد النازية. والفيلم -كما هو معروف- يدخل في إطار الأعمال السينمائية التي تخدم المشروع الصهيوني بحيث تم استغلال الأحداث بطريقة انتهازية لجلب التعاطف والدعم اللا محدود من جميع الحكومات الغربية، فمنذ نهاية الحرب العالمية وهذه الحكومات تحاول إرضاء الصهاينة بكل الوسائل بدأ من تمكينهم من انشاء دولتهم على الأراضي الفلسطينية بعد تشريد أهلها وتجويعهم مروراً بالسكوت المريب إزاء كل ما قاموا ويقومون به من مجازر في حق هذا الشعب الأعزل وآخرها مجزرة غرة التي ذهب ضحيتها أزيد من 1500 شهيد وآلاف الجرحى والمعطوبين علاوة على الدمار الشامل باستخدام الأسلحة المحضورة دوليا والتي لا تزال آثارها بادية للعيان.
وبالرغم من هذا لا تزال الحكومات الغربية تراوح مكانها ولم تتجرأ ولا واحدة منها على إدانة هذه الجرائم الفضيعة ولا حتى عن نيتها في ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة.. ويبدو أن الأمر سيطول وستُسجل الجريمة ضد مجهول وتطوى الصحف ليبدأ مسلسل جديد للسلام مع القتلة، ولن يُعدموا من أجل ذلك منبطحين وانتهازيين جدد من بين ظهرانينا.. مناسبة حديثي عن الفيلم والهدف الذي يخدمه، هي محاولة -يائسة- مني لعقد مقارنة -يائسة أيضا- بين ما يقوم به الصهاينة من أجل خدمة قضيتهم والنفخ فيها عن طريق السينما بل وتضخيمها والعمل على تقديسها حتى لا يتجرأ أحد على التشكيك في مصداقيتها -حتى لا نقول انكارها..- ومن تجرأ على ذلك يجرجر أمام المحاكم وفق قانون “گيسو” كما حدث مع العديد من المراجعين في فرنسا من أمثال گارودي وفوريسون وغيرهما.
…قلت أحاول أن أقارن بين رؤية هؤلاء للسينما وطريقتهم لتوطيفها خدمة لاهدافهم وقضاياهم وبين طريقتنا نحن وتعاملنا مع هذا الفن السابع.
فما يقدمه مخرجونا -لا فُظّت كاميراتهم- من أعمال سينيمائية تافهة موغلة في التخلف والهبوط الأخلاقي والذوقي شكلا ومضمونا… و”الغبينة” أن هذه الأعمال المسماة تجاوزا بالسينيمائية يُنفق عليها إنفاق من لا يخشى الفقر من أموال دافعي الضرائب، أي من أموال هذا الشعب الغلبان دون رقيب أو حسيب. وكأنها أموال محاجير سُلِّط عليها هؤلاء فعاثوا فيما فساداً وافساداً… هذه الأفلام لا تكاد تحرج عن مثلث الجنس والعنف والاستهزاء بالدين والقيم الرفيعة التي نشأ عليها أبناء هذه الأمة وكانت دائما ولا تزال صمام أمان لاستقرارها وأمنها الاجتماعي والأخلاقي.
أفلام هابطة نعم عناوينها بمستواها المنحط (ملائكة الشيطان -كازا باي نايت -كازا نيكرو -فين ماشي يا موشي..) وهلم سخافة.. ومخرجوا هذه السفاهات لا يجدون غضاضة في ذلك بل إن أحدهم صرح في استجواب على قناة 2M بأن شعاره في الإخراج هو : “عرِّي باش تبيع” وهذا -بالمناسبة- شعار الأغلبية الساخفة من هؤلاء المخرجين ويكتب آخر بأن دور السينما ينحصر في العمل على “إطلاق العنان للجسد حتى يعبر عن مكنوناته”.
بهذه العقلية يفكر جل هؤلاء وذاك مبلغهم من العلم بالدور الذي ينبغي أن تقوم به السينما وباقي فنون التعبير… وبهذه التفاهات يذهب هؤلاء للمهراجانات الدولية ويأتون بالهزائم بينما تشارك شعوب أخرى بأعمال جادة تخدم من خلالها قضاياها وتاريخها.
فالظاهر أن مخرجونا وصناع السينما عندنا قد جفت لديهم خلايا الإبداع وصاروا أسارى لأعمال تافهة وساقطة يُفرغوا من خلالها مكبوتاتهم.. على حساب الأموال العامة.
والمركز السينمائي المغربي هو من يتولى مسؤولية هذا التبدير وهذا السقوط والانحدار المدوي بتمويله لمثل هذه الأعمال الساقطة. والبرلمان هو أيضا مسؤول عن عدم محاسبة هؤلاء المبذرين الذين يوزعون أموالا عامة على ت فاهات لا تزيد شبابنا إلا انحرافاً وأذواقنا إلا سقوطاً وقيمنا إلا استهزاءاً واستهتاراً…
إن المتتبع الحصيف لمسار الفن السابع في بلادنا في السنوات القليلة الأخيرة ليلاحظ (دون عناء) تهافتا مريبا نحو انتاج كل ما سقطَ و هبَط من أفلام رديئة شكلا ومضمونا.. يفعلون كل هذا وكأننا في بلد لا ذاكرة ولا قضية له جديرة بابرازها في قوالب وأعمال سينمائية درامية جذابة تشد المشاهد وتخدم قضايانا وتاريخنا وترفع من مستوى أذواقنا وتحصن مستقبل شبابنا وأجيالنا..
فلماذا لا يعكف مخرجونا وصناع الفن السابع عندنا على انتاج وإخراج أفلام جادة عن فترة الاستعمار ومالاقاه المغاربة من تنكيل وإبادة من قبل الجيش الفرنسي وما قدمه أبطالنا وشبابنا من تضحيات جسام في مقاومة الاستعمار.
لماذا لا يتحدثون في هذه الأفلام عن زج الآلاف من المغاربة في حروب فرنسا في الفيتنام والهند الصينية وغيرها من الحروب التي خلفت العديد من المآسي لاتزال آثارها حاضرة.
لماذا لا يتطرقون إلى موضوع التجربة النووية التي قام بها الجنرال دوگول في بشار على الحدود المغربية الجزائرية والتي ذهب ضحيتها مئات المغاربة نتيجة الغازات السامة للتجربة.
لماذا لا يخرجون فيلما جاداً عن الإبادة الجماعية التي قام بها الجنرال فرانكو ضد سكان الريف لارغام المجاهدين بقيادة الزعيم عبد الكريم الخطابي لتسليم أنفسهم بعدما أذاقوا المحتل هزيمة نكراء في معركة أنوال…
مات المئات من المغاربة بالغازات السامية ومن لم يمت عانى من أمراض السرطان ومازالت آثار تلك الأمراض ماثلة للعيان.. وبالمناسبة فالأسلحة الكيماوية التي استخدمها فرانكو جيئ بها من ألمانيا النازية… فحتى المغاربة تعرضوا للحرقة ايامها وليس اليهود وحدهم ومع ذلك لم يدافع عنهم أحد ولم يقم مخرجونا بابراز هذه القضايا وغيرها في أعمال درامية جادة. يشاركون بها في المهرجانات الدولية حتى يُحرجوا الحكومات الغربية المنافقة ويرغموها على الاعتذار ودفع التعويضات على ما اقترفوه من مجازر يشيب لها الولدان بحق شعب كل ذنبه أنه رفض الاحتلال ودافع عن كرامته واستقلاله بشرف واستماتة…
فلماذا يقع التغاضي عن مثل هذه القضايا الوطنية الشريفة. ولحساب من يتم اغراق شبابنا في مستنقعات آسنة من التفاهة والسفاهة والانحطاط.
أسئلة نطرحها على صناع السينما والمخرجين في هذا البلد.
ونطرحهما على من وكلهم ا لشعب لحراسة أمواله وأخلاقه من الهدر والتمييع.