ذ. طارق زوكاغ
يظن العديد من المثقفين الذين أصيبوا بالكسل الفكري اتجاه تراثهم الأصيل، واكتفوا بما أنتجه الغرب من نظريات تربوية أن حضارة الإسلام لم تكن تتوفر على مناهج رصينة للتعلم.
وفي هذه الأسطر القليلة سنحاول التعرف على نظرة علمائنا لأهمية السؤال في اكتساب المعرفة حسب ما يقتضيه المقام.
عرف الراغب الأصفهاني السؤال بقوله : “هو استدعاء معرفة، أو ما يؤدي إلى معرفة”(1)، موضوع السؤال إذن هو تلقي المعرفة، لذا اعتبر أهم ما ينبغي أن يتعلمه طالب العلم، لأنه الأساس الذي ينبني عليه التواصل بينه وبين مدرسه، أو بينه وبين من يتفاعل معه أثناء تعلمه، فهو أداة منهجية تصحب طالب العلم خلال كل فترات تعلمه، وبإجادتها وحسن استخدامها يستطيع أن ينمي قدرته على التعلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : >الاقتصاد نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم<(2).
وقد اهتم علماء المسلمين بفن (السؤال)-منذ صدر الإسلام، وقدوتهم في ذلك رسول الله ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله : >العلم خزائن، ومفاتحه السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يأجر فيه أربعة : السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم<(3).
لذلك وجب ضبط السؤال وحسن استعماله، ومن أجمع الأقوال التي لخصت الضوابط الواجب مراعاتها في -السؤال- ما ذكره الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه القيم (الفقيه والمتفقه)، قال : “وينبغي أن يوجز السائل في سؤاله، ويحدد كلامه، ويقلل ألفاظه، ويجمع فيها معاني مسلمة فإن ذلك يدل على حسن معرفته”(4).
فبالتزام هذه الأبجديات سيؤتي السؤال ثمرته المرجوة -حصول المعرفة- ؛ إلا أنه ينبغي التذكر دائما أن -السؤال- سلاح ذو حدين؛لأنه يظهر مدى فطنة السائل، وفي نفس الوقت يمكن أن يظهر قلة فهمه، لذا وجب عدم التسرع في طرح الأسئلة قبل التفكير فيها جيدا، قال ابن عباس رضي الله عنهما : >ماسألني أحد عن مسـألة إلا عرفته فقيها و غير فقيه<(5)، وعن زيد بن أسلم أنه كان إذا جاءه الإنسان يسأله فخلط عليه قال له : اذهب فتعلم كيف تسأل، فإذا تعلمت فاسأل.
والجدير بالذكر أن علماءنا الأفاضل لم يهتموا بقواعد ضبط السؤال فقط؛ بل وضعوا قواعد لضبط طرق -الجواب- أيضا، كما هو مسطر في كتب علم الجدل والمناظرة وبعض كتب أصول الفقه.
—–
1- الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ – باب السين.
2- ينظر الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، ج : 7، ص: 33.
3- نفسه، ج : 7، ص : 32.
4- نفسه ج : 7، ص : 33.
5- نفسه ج : 7، ص :34.