ذ. أبو القاسم بوعزاوي
{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيه اسم الله كثيرا وليصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور}(الحج 39- 41).
أريد أن أوضح في البداية أمرا مهما وهوأن المصادر التاريخية استعملت مصطلح الجهاد بدل المقاومة ولكنه بحكم استعماله في وسائل الإعلام وتداوله بين الناس استعملنا مصطلح المقاومة في العنوان وإلا فإحياء المصطلح القرآني هوالأساس وإشاعته بين القراء هو قضية جوهرية، أما مصطلح ولاة الأمر فيدخل ضمنه العلماء والمسؤولين أي القيادة على اختلاف ثغورها ومواقعها.
خاض المغرب معارك شتى في العصور الوسطى، ولذلك كان هاجس إعداد القوة حاضرا، وهذا لا يعني مطلقا أن أولي الأمر كانوا يسعون لإشعال فتيل الحروب في العالم بل على العكس من ذلك فهذه القوة أعدت لنشر السلم العالمي وهذا من خصائص حضارتنا لأن الحكام اختاروا للخطة العسكرية رجالا تشبعوا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله (1). فاستناروا بنور الله وأناروا لأن الذي يعيش أسير هواه وعبد دنياه لا يمكنه أن ينقذ غيره،وبناء عليه فالتحرر الذاتي، هو في الوقت نفسه، الغاية القصوى المبتغاة والشرط السابق لأي تحرير، فلا تحرير صحيحا ثابتا بلا تحرر، ولا تنظيم مجديا مثمرا بلا انتظام، ولا فوز في معركة من معارك “الجهاد الأصغر”، جهاد الغير، إلا بقدر ما يكون قادته والعاملون فيه قد فازوا في معارك “الجهاد الأكبر “جهاد النفس”(2) وأريد أن اضرب بعض الأمثلة التاريخية للمغرب كجزء من هذا العالم الإسلامي المتشبع بقيم القرآن وحضارة القرآن، نماذج من تاريخ المغرب في الجهاد والنصرة :
النموذج الأول : أرسل ملك قشتالة رسالة إلى السلطان الموحدي يعتز فيها بنصرانيته ويخبره فيها بفتكه بأهل الأندلس يقول : “فأنا أسومهم بحكم القهر وجلاء الديار، وأسبي الذراري، وأمثل بالرجال، ولا عذر لك في التخلف عن نصرهم إن أمكنتك يد القدرة”(3)، فلما وصل كتابه إلى الأمير أبي يوسف المنصور مزقه وكتب على ظهر قطعة منه {ارجِعْ إليهم فلا ناتينَّهُم بجنودٍ لا قِبل لهم بها ولنخرجنَّهم منها أذلةً وهم صاغرون}(النمل : 37.) الجواب ما ترى لاما تسمع.
بادر الأمير المجاهد للاستعداد للخروج، فطلب سيفه الكبير إيذانا بالدعوة العامة إلى الجهاد، وتداعى الغرب الإسلامي بقده وقديده، كالجسد الواحد، من المحيط إلى برقة ملبيا نداء الجهاد ضد النصارى المتكالبين على إخوانهم في الأندلس والذين أصبحوا خطرا على بيضة الإسلام.
ورغم بعد الشقة عن الشرق الإسلامي فان المغاربة كانت قلوبهم مع صلاح الدين الأيوبي الذي كان يحارب الصليبيين في حطين واستعاد مدينة القدس فألهب هذا النصر المبين قلوب المغاربة فتعلقوا بالشهادة في سبيل الله، وكان بعضهم قد شد الرحال لبلاد الشام لنصرة جيش صلاح الدين الأيوبي أما ملك قشتالة الفونس الثامن فإنه لما سمع بعبور الجيش الموحدي طلب المدد والعون من القادة المسيحيين والبابا في روما وتحركت لتنزل بالأرك(4)، وقد ظل الجيش الإسلامي المكون من المغاربة والأندلسيين عربا وبربرا كالبنيان المرصوص، كل في موقعه مستعد للقاء العدو، والفوز بالشهادة، بعد أن أخذ كل الأسباب من عدة حربية، وإعداد للخطة، واستشارة بين الأمير أبي يوسف يعقوب المنصور والقادة العسكريين، ولم ينس هذا القائد المجاهد الزاد والعدة الإيمانية فأخبر قائد الجند أن يطلب من المجاهدين أن يغفروا له فان المقام مقام غفران وان يتغافروا بينهم، وأن يطيبوا نفوسهم، ويخلصوا لله نياتهم”. فبكى الناس لقوة كلام أميرهم وعدله، وأثر ذلك في النفوس.
النموذج الثاني : بعد سقوط الخلافة الأموية سنة 422هـ – 1031 م انفصمت عرى الوحدة لتظهر على أنقاضها دويلات متناحرة في ما بينها، بلغ عددها ثلاثة وعشرين دويلة، عرفوا بملوك الطوائف فاشتعلت نار الفتنة بينهم حتى إذا شعر أحدهم باهتزاز عرش ملكه استنجد بالنصارى على إخوانه، وقد اغتنمت الممالك النصرانية هذا التشرذم والتطاحن بين الأمراء ليستولوا على الثغور الإسلامية، ويخضعوا الضعيف منهم، ويفرضوا عليه الجزية مقابل الاحتفاظ بعروشهم والاستمرار في التنعم بالعيش الرغيد، فقام الملك فرديناند الأول ملك قشتالة بشن غارات عليهم ونزع منهم المدن والحصون أما ابنه الفونس السادس فقد انتزع طليطلة من القادر بن ذي نون بمساعدة المعتمد بن عباد حليفه. وهكذا أصبحت بلاد الأندلس لقمة سائغة في فم النصارى وغنيمة بين أيديهم يوما فيوم إلى أن ظهر في المغرب يوسف بن تاشفين “ليرفع المكوس والظلامات عنهم”(5) حيث انتصر على الفونسو السادس وجيشه في معركة الزلاقة.
النموذج الثالث : لمّا نادى المنادي في جهات المغرب :”أن اقصدوا واد المخازن(6) للجهاد في سبيل الله” لَبَّى المسلمون نداء الجهاد، والتقى الفريقان : فريق المسلمين الذين اشرأبت أعناقهم للسماء طمعا في إحدى الحسنيين إما الشهادة أوالنصر وبتحريض من العلماء الذين دعوا للمشاركة في قتال العدوالصليبي بل اختاروا أن يكونوا في ساحة الوغى، وهكذا لبى المسلمون نداء الجهاد دون تردد وبروح عالية وإيمان قوي حتى قاتل بعضهم بالمناجل والعصي. أما فريق الصليبيين الذي كان بزعامة ملك البرتغال سباستيان وبدعم من بعض الدول الأوربية أما البابا فقد بعث إليه بأربعة آلاف جندي، وبألف وخمسمائة من الخيل، واثني عشر مدفعا، وقد استخفوا بجيش المسلمين واعتبروا دخول بلاد المغرب مجرد نزهة، فكانوا يحملون معهم الصلبان لتعليقها على مساجد فاس ومراكش وخططوا لتحويل جامع القرويين إلى مذبح كنسي، وكأنها نزهة وليست معركة، وكان القساوسة والرهبان يحفزون الجيش على القتال مذكرين أن البابا أحَلَّ من الأوْزار والخطايا أرواح من يلقَوْن حتفهم في هذه الحرب.
بعض الدروس والعظات من هذه المحطات التاريخية :
- حضور القيم القرآنية في مواجهة فلول الكفر والضلال، فالسلطان الموحدي يستشهد في رسالته بكتاب الله الذي يعلوا ولايعلى عليه. ويخاطب طاغية النصارى بأنفة وعلوهمة.
- المشاركة الفعالة للعلماء في معركة الإسلام وحضورهم في مقدمة المعارك.
- إن الحرب التي شنت على المسلمين في الأندلس أوالمغرب (العدوتين ) كانت باسم الصليب وبمباركة البابا.
- مبادرة أولي الأمر من سلاطين وعلماء، بالجهاد لما رأوه من النصارى من ظلم وطغيان.
- تداعي الجسد المسلم كلما استشعر الخطر يداهمه، فقد لبى المغاربة نداء الجهاد لنصرة إخوانهم في الأندلس وفي بلاد الشام رغم بعد الشقة.
———–
1- تاريخ حضارة المغرب والأندلس في عهد المرابطين والموحدين د عبد الحميد حسين أحمد السمرائي الطبعة الأولى دار شموع الثقافة ص 170.
2- في معركة الحضارة قسطنطين زريق الطبعة الثانية دار العلم للملايين ص 324.
3- وفيات الأعيان شمس الدين أبوالعباس بن خلكان، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر، بيروت، 6/7
4- الارك حصن على بعد عشرين كيلومترا إلى الشمال الغربي، وهي نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس.
5- المقري نفح الطيب في غصن الاندلس الرطيب بيروت 1968، ج 1 ص 493.
6- سهل فسيح يسمى سهل القصر الكبير أوسهل وادي المخازن بالقرب من نهر لوكوس، وكان يوجد جسر وحيد على النهر للعبور إلى الوادي.
??
??
??
??