القضية الفلسطينية والمكاسب الجديدة للمقاومة


ذ. يونس اليماني

منذ انطلق المشروع الصهيوني في أرض فلسطين ومواجهته تدور بين خيارين متباينين هما : خيار التفاوض والتسويات مقابل خيار الجهاد والمقاومة(ü)، ولكل منهما رجاله الذين يدافعون عنه ويجعلونه نهجا يفرض ذاته في ساحة المواجهة. غير أن توالي الأحداث والوقائع على الأرض وما ينجم عنها من نتائج سلبا أوإيجابا هوالذي يحدد صوابية هذا الخيار أوذاك.

فخيار التفاوض منذ بدأ لم تجن منه الأمة سوى مزيد من التنازلات التي أدخلت القضية الفلسطينية في عُقد يصعب فكها -على الأقل-  في الوقت القريب. أما خيار المقاومة فقد أثبت جدراته في كل فصوله ومشاهده، مما يِؤهله ليكون الخيار الأصوب الذي يجب أن تجمع عليه القيادات الرسمية والشعبية وتعتمد عليه بدءا من هذه المرحلة  التي دارت فيها معركة الفرقان. إذ كان أهم مكسب فيها هو التمايز الواضح بين الخيارين السابقين. خاصة وأبناء قطاع غزة العزة ضربوا أروع مثال في احتضان المقاومة ودعمها وعدم خذلانها وإسلامها كما كان ينتظر أعداء الداخل والخارج.

فلولا الإرادة الحرة الباسلة والصمود الأسطوري لهذا الشعب البطل لتغيرت الأوضاع وكنا أمام مشهد جديد توعدت به ليفني وأزلامها عند بداية العدوان الذي استمر 22 يوما دون أن يحقق أهدافه المعلنة منها أوالخفية. بل خرج من القطاع مذموما مدحورا غير مأسوف عليه.

إن العدوالصهيوني الإرهابي الذي انهزم في جنوب لبنان سنة 2006، كان من أكبر أهدافه في العدوان الأخير هواستعادة عافيته وهيبة جيشه الذي”لا يقهر”؟ فلا ينبغي أن تخدش أوتنسج عنه أقاويل السوء فهورابع قوة عالمية وأولها في الشرق الأوسط ويجب أن يبقى كذلك -على الأقل-. ولذلك حشد كل طاقاته العدوانية جوا وبرا وبحرا في مشهد إرهابي لم يسبقه مثيل، إذ استعمل أعتى سلاح غير مشروع ليضرب به كل غزة. لكنه مع ذلك أضاف هزيمة فاضحة ومنكرة إلى سجل هزائمه. مع أن المقاومة في غزة تختلف عن أختها في لبنان سواء من حيث جغرافية المكان أوحجم الإمداد الخارجي أوطبيعة الظرفية السياسية التي فرضت على غزة حصارا صهيونيا وعربيا ودوليا خانقا منذ تسلمت حماس زمام السلطة في انتخابات تشريعية شهد العالم كله بنزاهتها وديمقراطيتها، دون أن يعترف (أي العالم) فيما بعد بحكومة ترأسها حماس لأنها رفضت الاعتراف بالكيان الصهيوني بله التفاوض معه..

لم يكن لحماس أن تخذل الشعب الذي اختارها على أساس خيار المقاومة أوتتخلف عنه قيد أنملة، فهولم يخترها لتكون على نمط من سبقها، بل لتكون في مستوى إرادته الحرة الباسلة التي رفعت صوتها عاليا : لا بديل عن الأرض والمقدسات، ولا تفاوض بشأن حق ثابت وعادل. وهذا ما أكدته معركة الفرقان الأخيرة حيث ازدادت شعبية حماس وترسخت. ليس في غزة وحسب، بل في  ربوع الوطن العربي والإسلامي على المستوى الشعبي. وعادت قضية فلسطين إلى مربعها الأصلي الذي يجعل منها قضية مركزية وأساسية إلى جانب القضايا القطرية والمحلية. خاصة وأن حركة المقاومة الإسلامية قدمت خيرة قياداتها العلمية والسياسية والأمنية وخيرة رجالها وشبابها ونسائها وأطفالها إلى جانب فصائل المقاومة وأبناء غزة البواسل.

لقد حققت معركة الفرقان إجماعا فلسطينيا داخليا منقطع النظير بين الشعب وجميع الفصائل منهم شرفاء حركة فتح -التي أرادت الطغمة الخائنة أن تقودها إلى المهالك وتشوه صورتها في الداخل والخارج- وهوإجماع يرتكز على أساس الثوابت الوطنية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني. مما يدل دلالة واضحة على أن الانقسام المزعوم ليس سوى تدافع بين الوطني المنحاز إلى هويته وشعبه والخائن المنحاز إلى أسياده الصهاينة الذين ملكهم ناصيته.

إن هذا الإجماع على المقاومة هوالذي منح فصائلها قوة في إدارة المعركة على المستوى السياسي والميداني، فعلى المستوى السياسي استطاعت أن توصل رسالتها وأهدافها لكل من يريد القيام بدور الوسيط في الأزمة الراهنة ودون أن يتحدث بلسانها غيرها. كما أنها أحرجت -بصورة غير مسبوقة- النظام العربي الرسمي، حيث جعلت وهنه وضعفه يطفوعلى السطح وأظهرت حجم الاختلال الواقع فيه للقاصي والداني وفضحت المواقف الزائفة، وبدا للجميع أن الحريصين على التفاوض ومباحثات السلام الوهمية ما هم إلا متواطؤون ومتآمرون ضد مصالح الشعب الفلسطيني وثوابت الأمة. خاصة بعد عقد قمة الدوحة التي كثر اللغط عنها من قبل ومن بعد وأريد إفشالها. غير أنها نجحت في أمرين مهمين :

أولهما : تمثيل فصائل المقاومة على مستواها لتنقل معاناة الشعب الفلسطيني ومآسيه، وأيضا تطلعاته وما ينتظره من قرارات تخفف عنه تكالب الأعداء.

وثانيهما : بيان الحد الأدنى للتفاعل والتضامن الرسمي مع أهل غزة.

وهوما زاد من إحراج الغائبين عن قمة الدوحة، الحاضرين في قمة الكويت الاقتصادية التي فشلت في صياغة بيان ختامي متفق عليه على غير المألوف سلفا. إلى جانب ذلك كانت القضية الفلسطينية مثار نقاش داخل البرلمان العربي والغربي بين مختلف التوجهات السياسية والمشارب الفكرية. بل إن بعض الأصوات الصهيونية نفسها بدأت تراجع موقفها من الحوار مع حماس كما هوالشأن بالنسبة لرئيس الموساد السابق  إفرايم هيلفي.

أما على المستوى الميداني فقد فاجأت المقاومة العدوالصهيوني بقدرتها على القتال والمواجهة وتطوير السلاح ولوفي أحلك الظروف. كما منعته من التوغل في قطاع غزة وأربكت حساباته، وجعلت العالم كله يتحرك تعاطفا وتضامنا ودعما ومطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب من أمثال باراك وأولمرت.

إجمالا نقول : إن معركة الفرقان حددت المسار الصحيح الذي لا يجوز التخلف عنه بحال من الأحوال، فالمقاومة هي المؤثر الأكبر الذي ترجع إليه الكلمة الفصل في ساحة المواجهة مع العدوالصهيوني الإرهابي الذي جعل قادتُه الدم والأشلاءَ والدمارَ والخرابَ ورقةً انتخابية يزايدون بها على بعضهم البعض. ولذلك فاقتلاع هذه الغدة السرطانية المزروعة -ظلما وعدوانا- في جسد الأمة رهين بمدى دعـــم المقاومة ماديا ومعنويا. وما عــدا ذلك ليس ســوى سراب  بقيعة يحسبه الظمآن ماء.

———

(ü) أحيل القارئ الكريم إلى كتاب مهم في هذا السياق للأستاذ منير شفيق بعنوان ” المشروع الصهيوني في فلسطين : التسويات والحلول، المقاومة والانتفاضة “

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>