العجز الـمشلول


ماحدث ومازَال يحدُث في غزة من  إبادة للشعب الفلسطيني دون أن تُبْدي عامة الدول العربية والإسلامية أي بادرة عملية لإيقاف مسلسل الإبادة دليل عملي على العجز التام عن فعل أي شيء يحفظ ما تبقى من ماءِ أوجه طالما تغنت بالقومية العربية والوحدة العربية، والزعامة العربية، والدفاع عن الكرامة العربية وما إلى ذلك من الإيقاعات التي جرَّت على الأمة ما جرَّت من ويلات.

لقد تهاوت كل لاءات القِمَم العربية بإجماعها التام على رفض كل ما يتعلق بالعدوان والاحتلال الصهيوني، إلى لاءات بإجماع تام، أو شبه تام، على رفض القمة بالأساس، ومن ثَمَّ إلى رفض كل ما يتعلق بإيقاف مجازر بني صهيون، وإفسادهم في الأرض المقدسة التي بارك الله فيما حول مسجدها الأقصى.

إن العدوان على غزة وما أدى إليه من دَمار وتقتيل بالأسلحة المحرمة دوليا، دون تدخل عملي من جانب معظم الدول العربية، أو على الأقل من جانب الكبار -كما تحدثنا عن ذلك في عدد سابق- الذين يوصفون بِ”المعتدلين” وب”اللاعبين الكبار” في المنطقة، لا يمكن أن يَدُلّ إلا على رغبة كانت دفينة، وأصبحت الآن مكشوفة، في القضاء على آخر صوت تحرري في المنطقة لكي تتم بعد ذلك عملية التضبيع (الأمر لا يتعلق بخطأ املائي أو مطبعي) بأبشع صورها وأقبح مظاهرها.

أكيد أن هذا الموقف هو امتداد وترجمة  عملية للموقف الدولي المؤيد بدون تحفظ للاحتلال الصهيوني، والمعارض بدون تحفظ لأي مقاومة فلسطينية فاعلة، ولكن ماذا لو تعلق الأمر بشعب غير الشعب الفسلطيني؟؟ ماذا لو تعلق الأمر بشعب آخر يُباد بأسلحة محرمة دوليا هل ستبقى الدول الغربية ومعها وفي مقدمتها الولايات المتحدة مساندة للمعتدي؟؟ أم أنها  ستقوم ولا تقعد حتى تعيد للمظلوم حقه؟؟؟.

أكيد أن الأمر سيختلف لأنه حينما يكون المظلوم شعبا من الشعوب الإسلامية تنقلب المعادلة ويصبح المظلوم الضحية ظالماً، والمعتدي الجلاد مظلوماً. وفلسطين بالذات، ثم  غزة بالأخص نموذج جدّ دقيق يجسد انقلاب القيم في هذا الزمن التعس.

وعود على بدْء، حيث إنه إذا كان انتظار إقامة العدل من الظالم أمراً لا يمكن أن يخطر على البال فإن المستغرب هو موقف الدول العربية مما جرى ويجري في  غزة، حيث أن العاقل لم يعد يستغرب من العدوان الصهيوني الذي يتجدد ويبدع كل يوم أسلوبا جديداً للإبادة، لا لشيء إلا لأن العدوان أصبح سمة من سمات الكيان الصهيوني، ولكن المرء يستغرب للمواقف السلبية التي اتخذتها عدد من الدول العربية، كان آخرها موقفان :

أولهما : منع دخول عدد من الصحفيين العرب، والبرلمانيين وأساتذة جامعيون وأعضاء في منظمات دولية، وذلك حتى لا يتم توثيق الجرائم الصهيونية في غزة.

ثانيهما : وربما قد يكون الأهم بالنظر إلى ما قد يكون له من تداعيات، وهو ما حدث في منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا، لقد غضب رئيس الوزراء التركي غضبة مضرية -في غياب بني مضر المعنوي وليس الجسماني- غضب مما تفوه به رئيس الكيان الصهيوني في حق ما فعله جنوده في غزة، غضب أولا مما تفوه به، وغضب ثانيا من التصفيق على كلمته التي برر فيها العدوان، وغضب ثالثا لأنه لم تمنح له الفرصة للرد وبيان الحقيقة، فانسحب محتجّاً على كل ذلك، وترك وراءه بني مُضَر، أو لنقل أدعياء المُضرية، دون أن يحركوا ساكناً، سوى ما فعله أمين جامعتهم حينما قام وعانق رئيس الوزراء التركي، لكن هل يجدي العناق؟! أين الفعل؟! بل أين الكلام والاحتجاج على الأقل؟! أليس كل هذا عجزاً يلفه شلل كامل؟!

حسبنا الله ونعم الوكيل.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>