الخطبة الأولى
الله أكبر (3)
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الحمد لله، وبعد :
قال تعالى : {ولقَدْ خَلَقْنا الإنسَان مِن سُلالَةٍ من طِين ثُمّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَكِين، ثمّ خَلَقْنا النّطْفة علَقَةً فخلقْنَا العَلَقَة مُضْغَةً. فخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظَاماً فكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَر فتَبَارَك اللّه أحْسَنُ الخَالِقِين}(المومنون : 12- 14).
إن الله تعالى يخبرنا في هذه الآيات بأن الله تعالى وحْده خلق الإنسان أول مرة من الطين، ثم نفخ فيه من روحه فأصبح بتلك النفخة خلقاً آخر متميزاً عن الحيوان، أي جعله مستعِدّاً للتطوُّر والسُمُوِّ في مَدَارج تحسين أخْلاقه وصفاتِه، وصَقْل مداركِه، وتزكية روحه إلى أن يصل إلى در جة الكمال الإنساني، ودرَجَةُ الكمال الإنساني هي وصُولُه إلى درجة أن يُصْبح مرتبطاً بربه، ذاكِراً له وحْده، لا ينساه في أية لحظة من لحظات الحياة، فهو مع ربّه، في المسجد، في السوق، في المتجر، في الحكم، في الوزارة، في الدار، في الأسرة، في التعليم، في التطبيب، في الأكل، في الشرب، في الزواج، في النوم واليقظة ليستجيب لقول الله تعالى : {فاذْكُرُونِي أذْكركُم واشْكُرُوا لِي ولا تكْفُرُون}(البقرة : 151) ويدخل في قول الله تعالى : {والذّاكِرِين اللّه كثِيراً والذّاكِرات أعدَّ اللّه لهُم مغْفرةً وأجْراً عَظِيماً} وبذلك يصبح الإنسان عبداً خالصا لله لا يخاف من أحد ولا يرجو أحداً.
الله أكبر(3)
فما هو الدستور المسطر لبلوغ الكمال الإنساني؟! هذا الدستور بيَّنَهُ الله تعالى في عدة آيات من كتابه الكريم، منها :
> قول الله تعالى : {قَد أفْلَح المومِنُون الذِين هُم في صَلاتِهم خَاشِعُون والذِين هُم عنِ اللّغْوِ مُعْرِضُون، والذِين هم للزّكاةِ فاعِلُون، والذِين هِم لفُرُوجِهِم حافِظُون إلاّ على أزْواجِهِم أو مَا مَلَكَتْ أيْمانُهُم فإنَّهُم غَيْرُ ملُومين، فمَن ابْتَغَى وراءَ ذَلِك فأولئِك هُم العادون. والذِين هُمْ لأمَانَاتِهِم وعَهْدِهِم رَاعُون. والذِين هُمْ على صَلَواتِهِم يُحَافِظُون أولَئِك هُم الوَارِثُون الذِين يرِثُون الفِردَوس هم فِيها خَالِدُون}.
ففي هذا الدستور القرآني نجدُ أن الله عز وجل ضمَّنَه الكليات الخمسَ التي بها يكون الإنسان إنسانا بدينه أولاً، لأنه هو الذي يحفظ باقي الكليات الأربع، وهي : النفسُ، والعرض، والمال، والعقل، أما الكلية الدينية فهي قولُ الله تعالى : {الذِينَ هم في صلاتِهِم خاشِعُون} فمن المستحيل أن يكون الخاشع في صلاته مجرماً أو قاتلا، أو غادراً، أو ظالماً أو غشاشاً أو ماكراً، فهذه صفاتُ المجرمين الذين لا يعرفون الله نهائيا، بل إلهُهُم هو هوَاهُم}.
وأما الكلية العِرْضِيّة، فهي قول الله تعالى : {والذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهم حافِظُون} فمن المستحيل أن يكون الخاشع لله منتهكا للأعراض، مفسداً للأنساب.
أمّا كلية المال، وكلية العقل وكلية النفس فيتضمنها قول الله تعالى : {والذِين هُمْ لأمَانَاتِهِم وعَهْدِهِم رَاعُون} فقد جاءت >الأمانات بالجمع< لتشمل كُلّ ما ائْتَمَنَنَا الله عليه، ومن جملة ما ائتمننا الله عليه >عقْلُنا< فهو جوْهَرُ إنسانيتنا، وبه كان تكليفنا، وبه سخّر الله عز وجل الكوْن لنا. فلا ينبغي أن نُفْسِده بمُسْكر أو مخدّر أو مُفتِّر أو مُهَلْوِسٍ، ولا ينبغي أن نُفْسِده بلَغْوٍ عابثٍ، كالسّهرات الماجنة، والأغاني الخليعَة، والأفلام الهابطة، التي تدنس العقْلَ والنّفْس والعرضَ والخُلُق، فالسُّكُرْ لا يحْصُل بالخمر فقط، ولكن هناك سُكْرُ الجنس، وسُكْر حُبِّ الشهوات المريضة، وسُكْر الاهتماماتِ الدّنيئة، فكلُّ ذلك يُفْسِد العقُول، ويُدَمِّر النفْس، وهلْ دمّر بلادنا المسلمة -زيادة على المسكرات والمخدرات غيْرُ الهجْماتِ الشرسَة على الحياءِ الذي عنْدَما انْعدم بين الأُسر والمجتمعات، وانْعدم في أوساط الكُبراء والضّعفاء. عند ما انعدم الحياءُ قُتِلت الأخلاق وذُبحت الفضيلة، فأصبح الإنسان لا يُقادُ من عقْلِه وفكره، ولكن يُقادُ من بَطْنِه وفرْجِه.
ألَيْسَ مِن أكبَر العيوب أن تكونَ البلادُ المسلمة من أكْبَر المصدِّرات للفنّانات والرّاقصات والمغنّيات اللواتي يُصَدَّرْن لممارسَة العُهر والعهارة؟! وألَيْس من أكبر العيوب أن تكون البلادُ المسلمة أوكاراً للسياحة الجنسيّة الفتّاكة بالأجْسام والأعراض والأخلاق والاقتصاد؟! فمتَى نسْتيْقِظُ ونحْفظُ للعَقْل أمَانَتَه؟! إن الله تعالى خاطبَنا بصفتِنا أهْلَ العُقُول، فقال : {فاتّقُوا اللّه يا أُولِي الأَلْباب}(الطلاق : 10) وقال {أفَمَنْ يعْلَمُ أنَّما أنْزِلَ إِلَيْكَ مِن ربِّك الحقُّ كَمَنْ هُوَ أعْمَى، إنّما يتَذَكَّرُ أولُو الأَلْبَابِ}(الرعد : 19).
الله أكبر (3)
أما أمانة >المَال< فقد أمرنا الله عز وجل أن نتصرّف فيه بالعَقْل والأريحيّة والكرم والسماحة، لأن المالَ ليْسَ مالَنا، ولكنهُ وديعةٌ في أيدينا، ومِنحَةٌ ربّانيّة أعطاها الله لنا لننْتفعَ مِنْها ثم نؤدِّي الحساب عليها.
وأوّلُ نظرةٍ عقْليّةٍ للمال هو أن المالَ مالُ الله تعالى، فالإنسانُ لمْ يخْلُق لنفسه دُنْيا، ولا زرْعاً، ولا ثمْراً، ولا أرْضاً، ولا سماءً، ولا ذهباً ولا فِضّةً، ولا مطراً ولا وادياً ولا بحْراً، ولا حيَواناً، ولا سمَكاً، ولا طيْراً ولا شجَراً، فهو الرِّزْق الذي بسَطَه الله عز وجل لعباده ليمْتَحِنَهُم فيه، قال: {إنّ ربّكَ يبْسُطُ الرّزْقَ لمَنْ يَشَاءُ ويقْدِرُ} وقال : {وآتُوهُم مِن مالِ اللّهِ الذِي آتاكُمْ}(النور : 33) وقال :{آمِنُوا باللّهِ ورَسُولِه وأنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكُم مُسْتَخْلَفِين فِيه}(الحديد : 7).
وثاني نظرة عقلية للمال هي أن نتصَرَّف فيه وفْقَ شرْع الله، فنكسِبُه من الحلال، ونُنْفِقُه في الحلال، ونُخْرج منه حقّ السّائِلين والمحرومين، ونجاهدُ به في سبيل الله لاعلاءِ كلمةِ اللّه، ولهذا أثْنَى الله على المؤدِّينَ للزّكاة، فقال : {والذِين هُمْ للزّكَاةِ فَاعِلُون} ووعَد الله عز وجل المنفقين في سبيل الله بالجنّة فقال : {إنّ الله اشْترَى من المُومنين أنفُسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة}(التوبة : 111).
وثالث نظرة عقلية للمال هو أننا نعِيشُ به في الدّنْيا ثم نتركُه فيها ونذْهبُ عند ربّنا مُجرّدين منه كما خَلَقَنا، قال تعالى : {ولقَدْ جِئْتُمونا فُرادَى كَما خَلَقْناكُم أوّلَ مرّةٍ وتركْتُم ما خوَّلْناكُم ورَاءَ ظُهُورِكُم}(الأنعام : 94).
ورابع نظرة عقلية للمال هو أن مَنْ يَطْغى ويتجبّر بما ليْس له هو أحْمقُ الناسِ وأسْفهُ السفهاء، ولهذا كان المتألِّهُون بالمال قديماً وحديثاً مِنْ أخْبَثِ الناس، وأسْفه الناس. فالمتألِّهون قديما قالوا : {وقَالُوا نحْنُ أكْثُرُ أموالاً وأوْلاداً، وما نحْنُ بمُعَذّبِين}(سبإ : 35).
والمتألهون بالأموال حديثاً أسَّسُوا مجْلِس الأمْن وأعطوا لأنفسهم حقّ احتلالِ هذا الشعب أو ذاك، وحق تجويع هذا الشعب أو ذاك، وحق عقوبة هذا الشعب أو ذاك، وحق الرضا عن أنصارهم والسُّخط على معارضيهم.
فلْيتحكّموا ماشاءُوا فكُلُّهم سوْفَ يَقُولُ نادِماً يوم يقِفُ أمام ربّه {ما أغْنَى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيّه}(الحاقة : 28- 29) فيحْكُم الله عليهم بنفْس الإذْلال الذي كانوا يُذِلُّون به عبادَهُ : {خُذُوهُ فَغُلُّوه ثمّ الجَحِيم صَلُّوه ثمّ في سِلْسلة ذَرْعُها سبعُون ذِراعاً فاسْلُكُوه إنه كان لا يومن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين، فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين}(الحاقة : 30- 36).
الله أكبر (3)
أخبرنا رسول الله أن الملك المكلف بنفْخِ الروح في المُضْغة المُخلَّقة في الرحِم يُومَر بأربع كلمات : بكتْب رِزْقه، وأجلِه، وعمَلِه، وشقيّ أمْ سعِيد. كما روى ذلك البخاري.
فأحبُّ شيء إلى الإنسان نفسُه ومَالُه. وهذان المحْبُوبان اللذان يحرصُ عليْهما الإنسانُ غايَةَ الحِرْصِ، ويخاف عليهما غاية الخوْفِ جعَلَهُما اللّه عز وجل مِن اختِصَاصِه وحْدَه، فالإنسانُ لا يمُوتُ إلا عندَ انْتِهَاءِ رزْقِه، ولا يموتُ إلا عِنْدمَا يَحِينُ أجَلُه، فهو سبحانه وحْده الرّزاقُ، وهو وحْده المُحْيي والمُميت. وإليْه وحْدَهُ المَصِيرُ، قال : >ألقي في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها<.
لماذا جعل الله عز وجل ذلك بيَدِه؟ حتى لا يطمَع الإنسانُ إلا في ربِّه؟! ولا يخاف إلا مِنه؟ لأنّه إذا تحقّق من هذه الحقيقة وتيقَّنها تيقُّناً كاملاً عبَدَ ربّه وحْده حقّ العبادة، فاستقامَ مع صِراطِه المستقيم، وهذا نبيُّنا محمد ربَّى أصحابَه على هذه الحقيقة، فانْقادُوا لشرعِ الله تعالى بدُون شُرْطةٍ ولا بُولِيس ولا مُخابرَاتٍ ولا تجسُّساتٍ، ولا قضاةٍ ولا محاكم، ولا سُجُون ولا زنَازِن ولا مراكز للجلْد والتّعذِيب. بل الذي ثَبَت أن المرْأَة زنَتْ، ولم يطَّلِع عليْها أحد، ولم تكْتَشِفْها سُلطة، ولكنها من شدة خوْفِها من الله تعالى جاءَت تقُول لرسول الله طهِّرْني يا رسول الله، وفضّلت عِقاب الدّنْيا على الآخرة.
أليس في هذا مقْنعٌ لنا بأن سُلْطان الشّرع -إذا تحقق الإيمانُ- أهْيَبُ في النفوس من سُلْطان السّيْفِ والعَصَا، فما بَالُنا نخوّف الناس من القانُون الذي لا ربَّ لَهُ، ولا نخوِّفهم من الشّرع الذي له ربٌّ يحْميه، قال تعالى : {وأنْ احْكُم بيْنَهُم بِما أنْزَل الله ولا تَتّبع أهْواءَهُم واحْذَرْهُم أن يفْتِنُوك عنْ بَعْضِ ما أنْزلَ اللّه إلَيْك، فإن توَلَّوا فاعْلَمْ أنَّما يُريدُ اللّه أن يُصِيبَهُم ببَعْضِ ذُنُوبِهِم وإنّ كَثِيراً من النّاسِ لفَاسِقُون أفَحُكْمَ الجَاهِليّة يبْغُون ومن أحْسَن من اللّه حُكْـما لقوْمٍ يُومِنُون}(المائدة : 49- 50).
فاللهم ردّنا إلى دينك ردّا جميلا، واشدد أزرنا لنتبع صراطك المستقيم آمين.
الخطبة الثانية
الله أكبر (3)
الحمد لله… وبعد :
إن العالمَ انزلَقَ انزلاقة خَطيرةً في فتنة الإنسان وتحريفِه عن الطريق الذي يكْفُلُ لَهُ الهَنَاءَ والسلام في الدنيا، والسعادَة في الآخرة.
ولذلك فالعالمُ في أشدِّ الاحتياج للشُّعُوب المسلمة لتتَّحِدَ على الإسلام، وتُربِّي أبنَاءَها على الإسلام لتكُون قُدوةً للعالم يتعلَّمُ منها كيْفَ يحارِبُ الباطِل بالحقّ. وكيف يدْفَع الحرْبَ بالسِّلْم، وكيف يدْفَعُ الفسادَ بالصلاح، وكيف يدْفع الظُّلْم بالعدْلِ، وكيف يدفعُون الإرهابَ بالأمْنِ الروحيِّ والنفسيِّ والاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ.
إن تُهْمة الإرهاب التي ألْصِقَتْ بالإسلام زوراً وبُهْتانا هي تُهْمَةٌ أجْدَرُ بغير المسلمين أن يتصفوا بها عن جدارة واستحقاق على مدى التاريخ، فقومُ نوح عليه السلام قالوا له {لئِنْ لمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لتَكُونَنّ من المَرْجُومِين}(الشعراء : 116) وقوم لوط عليه السلام قالوا له {لئِن لمْ تنْتَهِ يا لُوط لتَكُونَنّ من المُخْرَجِين}(الشعراء : 167) وقومُ شُعب عليه السلام قالوا له {لنُخْرِجَنَّك يا شُعَيْبُ والذِين آمَنُوا معكَ مِن قرْيَتِنا أو لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا}(الأعراف : 88)، وقوم محمد بيَّتُوا قتْله بعدما ائْتمرُوا عليه كما قال الله تعالى {وإِذْ يَمْكُر بِك الذِين كَفَرُوا ليُثْبِتُوك أو يَقْتُلُوك أو يُخْرِجُوك ويمْكُرُون ويَمْكُر الله واللّه خَيْرُ الماكِرِين} فمَنْ كان الإرهابيّ هؤلاء الرسل أو أقْوامَهم الطّغاة؟؟
والصليبيّون جاءُوا من وراءِ البحار ليحْتَلُّوا القُدس وبلادَ المسلمين، فمن الإرهابي؟! والطاغيةُ البرتغاليّ سبسْتْيان زيّن له غُرُورُه أن يحْتَلّ المغرب لينصِّره وينْشُر الصّليبيّة في افريقيا، فكانتْ وقْعَت وادي المخازن. فمن كان الإرهابي؟؟ ومازالتْ بلادُ المسلمين تعاني اليوْم من الاستعمار، فمن الإرهابي؟؟
فكيف يكون الإسلام إرهاباً واللّه تعالى سماهُ السّلام، فقال : {يا أيُّها الذِين آمَنُوا ادْخُلُوا في السّلْم كافّة}(البقرة : 208).
الله أكبر (3)
إن المسلمين صنعَهُم الإسلام، وصنَعَتْهم شريعةُ الإسلام وأخلاقُ الإسلام فعَلَيْهم أن يَعُودُوا لمُصَنِّعهِم لمُربّيهم، لأنهم مادَامُوا بعِيدين عن التقيُّد بشريعة الإسلام فسوْف لا يعرفون لا كيْف يُديرُون دَفَّة الحُكْم؟!، ولا دفَّة السلم؟!، ولا دفّة الحرب؟! ولا دفّة السياسة؟!، ولا دفة الأمْن؟! ولا دفة الاقتصاد؟! لأنهم لا يتلقّوْن عن الله تعالى، وإنما يتلقّوْن عن شَيَاطِين الإنس، وشياطين الهوى، وإدارةُ القضية الفلسطينية على مدَى ستّةِ عُقُود ولم يُنجِزُوا فيها شَيْئا خَيْر دليل على ذلك، لأنهم عالَجُوها ومازالوا يعالجُونها بغير الإسلام. ولكنّهم إلى الآن لا يعترفُون بِفشَلِهم، وسوف يعْترفون يوم تُصْبِحُ ظُهُورُهم إلى الحائط، ولا ملجأ لهُم إلا اللّه تعالى الذي يقول {أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرّ إذا دَعاهُ ويكْشِفُ السُّوءَ ويجْعَلُكُم خُلَفَاءَ الأرْض}(النمل : 62).
الله أكبر (3)
أيها المسلمون إن اللّه شاء أن يتعبّدنا بالصلاة والصيام والزكاة والصدقة والحج والعُمرة والدعاء وغير ذلك من أنواع العبادات، ولكنه في عيد الأضحى شاء أن يتعبَّدنا بالذبيحة التي هيَ في غَايَاتِها ومقاصِدها تعلِّمنا التقوى، قال تعالى : {لنْ ينَالَ اللّه لحُومُها ولا دِمَاؤها ولكن يَنَالُه التَّقْوَى منْكُم كذَلِك سخَّرَها لكُم لتُكَبِّروا الله على ما هداكُم وبَشِّر المُحْسِنِين}(الحج : 37).
فعيد الأضحى ميّزه الله تعالى بشعيرة الأضحية التي قال فيها : >ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله مِن إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وأن الدم ليقَعُ من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً<(رواه الترمذي).
فذبح الأضحية عبادة وبأمر الله تعالى
والأكل منها عبادة وبأمر الله تعالى
والتصدق منها عبادة وبأمر الله تعالى
لماذا هذه العبادة على هذا الشكل؟!
- عبادة لأجل شكر الله تعالى على تسخيره لنا هذه الأنعام التي خلقها لنا {والأنْعَامَ خَلَقَها لَكُمْ}(النحل : 5).
- عبادة لأجل تكبير الله وحده على ما هدانا إليه من هذا الدين الذي فضلنا به على العالمين، دين هو الحق الذي إذا اتبعته البشرية اهتدت، وإذا زاغت عنه هلكت، وأفلست، وتاهت فكراً وسلوكا، وحُكما وسياسة، قال تعالى : {فماذا بعد الحَقّ إلاّ الضّلال..}(يونس : 32).
الله أكبر (3)
عباد الله إن لهذا العيد عدة فوائد منها :
1- في هذا العيد تتجدد النفوس أفراداً وأسرًا، وكباراً وصغاراً ومجتمعا وأمة.
2- في هذا العيد يقام التجمُّع الكبير الذي يظهر عظمة الإسلام وقدرته على تجميع القلوب.
3- في هذا العيد يتزاور الأقرباء أحياء لصلة الرحم.
4- في هذا العيد يتصالح المتخاصمون ويتغافرون ويتصافحون.
فاللهم كما أردتَ تجديدً حياتنا بهذه الأعياد، فنسألك اللهم أن تجدد ديننا؟! وتجدد إيماننا؟ وتجدد حبُّنا لك، وحبّنا لكتابك، وحبنا لنبيّك، وحبّنا للتآخي على الإيمان بهذا الدين، آمين…..