أهمية الذكر ومعانيه في القرآن العظيم
أهمية الذكر :
قول الله تعالى :{قد أنزل الله إليكم ذكرا}، ومعناه : إن الله تعالى أكرمكم يا أولي الألباب بشيء من عنده هو هذا الذكرُ الذي هو نِعْمَ المساعدِ لكم على أن تخطوا خطوات سليمة في اتجاه الخير إذا كنتم تريدون الخير لأنفسكم ولأمتكم وتجتهدون في ذلك، هذا الذكر إذا داومتم عليه أشرقت قلوبكم وأضاءت عقولكم وعرفتم الصواب والرشد: {قد أنزل الله إليكم ذكرا} وقد سمى الله تعالى كتابه الكريم ذكرا لأنه فعلا ذكر بجميع معاني هذه الكلمة.
ومن أفضل الوجوه التي تصرف إليها كلمة الذكر هو القرآن الكريم وهو أفضلها. فالذكر باللسان والتهليل والتسبيح والتكبير وما إليها مما شاع أنه الذكر فليس إلا وجها من أوجه الذكر.
وللأسف فإن لفظ الذكر ومعناه انحصرا عند بعض الناس في هذه المعاني الجزئية والاصطلاحات المخصوصة وهو أن يجلس الرجل فيذكر ربه بلسانه مرددا ألفاظا وأورادا ويسمي نفسه كما يسميه الناس ذاكرا ويُصَنَّفُ بأنه من الذاكرين.
أما من كان يتلو القرآن ويتدبره، ومن كان يتفقه في علوم الشرع فلا يعد من الذاكرين!
كما أنه لا يعد من الذاكرين من يتعلم العلوم الكونية والعلوم الإنسانية على هدى من الله ووفق موازين الشريعة.
وهذا الاقتصار والانحصار بمثابة تصرُّفٍ في مصطلحات الشريعة ومفاهيمها تصرفا لا يجُوزُ لأن كلمة الذكر في كتاب الله عز وجل كلمة واسعة متعددة المعاني، وعلى المسلم تتبُّعُ مختلف الاستعمالات القرآنية لها للوقوف على هذه الرَّحَابة الدلالية المؤسِّسة للمفهوم الواسع للعبادات في الإسلام، فماذا يريد كتاب الله بكلمة الذكر؟ وما هي دلالة هذه الكلمة في استعماله؟
معاني الذكر في القرآن الكريم:
يرد الذكر في القرآن الكريم :
> بمعنى طاعة الله:
وذلك في قوله تعالى : {فاذكروني أذكركم واشكُرُولِي ولا تَكْفُرُون}(سورة البقرة)، فليس معنى اذكروني هنا هو لا تنسوني وإنما هو أطيعوني، ولن يكون المسلم ذاكرا لله إلا إذا أطاعه فيما أمر وكما أمر. وحين ذاك يذكر نعم ربه عليه وفضله وعطاءه ، فالذكر هنا مُرَادٌ به الطاعةُ لله تعالى.
> بمعنى ترديد الكلام باللسان :
ويستفاد ذلك من قوله تعالى : {فإذا قَضَيْتُم الصلاة فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وقُعُودًا}(سورة النساء)، بمعنى رددوا الثناء عليه وتوحيده واقرؤوا كتابه وكل ذلك من ذكر الله .
> بمعنى استحضار عظمة الله ومراقبته :
ورد لفظ الذكر في القرآن الكريم ويراد به خصوص التذكر واستحضار عظمة الله {والذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم ذَكَرُوا اللَّه فاسْتَغْفَروا لذُنُوبِهِمْ ومَنْ يغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللَّه ولَمْ يُصِرُّوا علَى مَا فَعَلُوا وهمْ يَعْلمون}(سورة آل عمران)، فذكر الله هنا بمعنى تفكَّرُوا واستحْضَرُوا بقلوبهم عظمة الله وعقابه فاستغفروا لذنبهم لفعلهم الفاحشة.
> بمعنى الشرف :
كما ورد لفظ الذكر والمراد به معنى الشرف كما في قوله عز وجل : {قَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فيهِ ذِكْرُكُم}(سورة الأنبياء) قال المفسرون فيه ذكركم بمعنى فيه شرفكم، وقد زعم البعض أن هذا القرآن جاء للعرب وهو يمدح العرب، كلا فهذا القرآن جاء للإنسان يعطيه الشرف والكرامة وجاء للناس جميعا يمنحهم العزةَ والخيرية والشرف ويُكْسبهم باعتناقهم لمبادئه وتشريعاته خصوصية في الوجود والشخصية والكينونة، إن هذا القرآن يضع لكل من يعتنقه أفرادا وجماعات أسباب القوة التي تحفظ للفرد وجوده واستمراره، ويؤدي بالأمة التي تعتصم به إلى أن تكون قوية متماسكة مهابة الجانب مُحْتَرَمَةً في قَرَاراتِها وتوْجِيهاتها، فيومَ قرأ المسلمُون هذا القرآن بصدقٍ وعملوا به ودَعَوا إليه صارُوا ذَوِي شَرَفٍ وعِزَّةٍ ومكانة ووجود ومهابة، ولما قل هذا التمسك والاعتصام صاروا إلى ما صاروا إليه من الذُّل والمهانة بل صاروا ينعتون بأقبح النعوت والشتائم،وها نحن اليوم بدأنا نذُوقُ بعْضَ معالم العزة بمجرد ظهور الصحوة وحرص بعض العقلاء والغيورين على العودة للإسلام، هذا الدين دين العزة والشرف للناس جميعا.
> بمعنى إيراد قصة أو خبر :
كما ورد لفظ الذكر في القرآن الكريم بمعنى إيراد قصة أو خبر كقوله تعالى حكاية لقول يوسف عليه السلام لصاحبه: {اذْكُرْنِي عند رَبِّك}(سورة يوسف) أي أَشِرْ إلى قصتي واذكرْها له وأخْبِرْ بحَالي وأمري.
> بمعنى العظة والاعتبار
واستعمل لفظ الذكر بمعنى العظة والاعتبار كما في قوله عزوجل :{فلَمَّا نسوا ما ذُكِّرُوا به} أي ما وعظوا به {فَتَحْنا عَلَيْهم أبْوابَ كُلِّ شَيْء}(سورة الأنعام)، فالذكر هنا ليس معناه إلا العظة والاعتبار.
> بمعنى اللوح المحفوظ :
وذلك في قوله تعالى : {وكَتَبْنَا عَليهم فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عبَادِي الصَّاِلُحون}(سورة الأنبياء) أي من بعد اللوح المحفوظ.
> بمعنى الكتب السماوية المنزلة :
وسميت الكتب السماوية المنزلة ذكرا وذلك في قوله جل وعلا: {فاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْر إِنْ كُنْتم لاَ تَعْلَمُون}(سورة الأنبياء) فأهل الذكر هنا هم أهل الكتب السابقة على القرآن الكريم.
> بمعنى الصلوات عموما :
كما استعمل القرآن الكريم لفظ الذكر بمعنى الصلوات كما في قوله تعالى : {لا تٌُلْهِيهِم تِجَارةٌ ولاَ بَيْعٌ عنْ ذِكْرِ اللَّه وَإِقام الصَّلاة}(سورة المنافقون) فذِكر الله هنا المراد به الصلاة، كما سميت صلاة الجمعة من حيث هي صلاة مخصوصة ذكرا في قوله عز وجل: {فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّه وذَرُوا البَيْعَ}(سورة الجمعة).
> بمعنى البيان:
ومن معاني الذكر في القرآن الكريم البيان كما في قوله جل وعلا : {والقرآن ذي الذكر}(سورة ص)، أي ذي البيان، وهذه مهمة عظيمة من مهام القرآن الكريم لأنه يوضح الأحكام الشرعية ويبين الطرق السديدة في كل قضية من قضايا الإنسان والمجتمع، وكل من أراد التعرف على الصراط المستقيم في كل أمر فما عليه إلا أن يتعرف على بيان الله في القرآن الكريم، وهذه هي خاصيته الأساسية التي تميزه عن الكتب السابقة ويظهر ذلك من جواب النبي لما سئل عن صحف إبراهيم فقال:”كانت أمثالا”، وعن صحف موسى فقال: “كانت عبرا”، وعن زبور داوود فقال: “كانت تسبيحا”، أما القرآن الكريم ففيه الأحكام وتفصيلاتها وبيانها وكيفية أدائها، وما لم يبينه القرآن الكريم بينه الرسول بسنته القولية والفعلية والإقرارية لأن ذلك من وظائفه عليه السلام، قال تعالى : {وأنْزَلْنا إلَيْك الذِّكر لِتُبَيِّن للنّاسِ ما نُزِّل إِليهم ولعَلَّهم يتفَكَّرُون}(النحل : 44).
فالقرآن إذن أحكام وشرائع وبيان لهذه الشرائع، وفيه وعد لمن عمل بها وامتثل لها ووعيد لمن خالفها، لذلك فهو يقف في وجه كل التشريعات الفاسدة في شؤون الزواج والأسرة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والعلاقات بين الأفراد أو بين الشعوب والأمم. والاسْتِمْساك بها يرفع الأفراد والأمة إلى مستوى العزة،
والرجلُ القرآني شريفٌ وعزيز، والأمة القرآنية أمةُ الشرف والعزة والمهابة والاحترام والتقدير: {قد أنزل الله إليكم ذكرا}.