مصطلح العيد في اللغة والإسلام: الدلالات والـمفاهيم


1- قال الحق سبحانه : {قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك..}(الأنعام : 116).

2- أورد ابن منظور الحديث التالي : >روي عن النبي  أنه قال : إن الله يحب النّكَل على النَّكل، قيل وما النّكل على النَّكَل؟ قال : الرجل القوي المُجرِّبُ المُبْديء المعيد، على الفرس القوي المجرّبُ المعيد<(ل ع 315/3).

3- وقال الشاعر :

عيدٌ، وعيدٌ، وعيدٌ صرْنَ مُجتمعة

ووجه الحبيب يوم العيد والجمعة (الكليات 592).

والسؤال : فما معنى العيد في النصوص المذكورة، وماذا يمكن أن يستخرج من المفاهيم من تلك المعاني، وغيرها مما لم يذكر، وما هي الجوانب التي يمكن أن تنيرها تلك المفاهيم من حياة الإنسان عموما، وحياة المسلم خصوصا، وما هو أصل هذه التسمية الأصلي (العيد) وما هي دلالة ذلك الأصل…الخ؟؟

أصل كلمة العيد، فعل (عاد) بمعنى رجع، قال الجوهري : وعاد إليه يعود عودةً وعَوْداً : رجع، وفي المثل : العَوْدُ أحمد (ل ع 315/3)، ويمكن إضافة هذا المعنى الأصلي الذي هو الرجوع، إلى معاني العيد السابقة في النصوص أعلاه!

وبعد فماذا تعني معاني العيد الواردة في النصوص أعلاه؟

أولا : العيد في قوله تعالى : {تكون لنا عيداً} يقول القرطبي : وقوله تعالى {تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا…} أي لأول أمتنا وآخرها، فقيل إن الما ئدة نزلت عليهم يوم الأحد غدوة وعشية فلذلك جعلوا الأحد عيداً<(القرطبي 368/6).

هكذا يخبرنا الحق سبحانه أن يوم الأحد من أيام الله عيد للمسيحيين وهو يوم طلبوا فيه من الحق سبحانه على لسان عيسى أن ينزل  عليهم مائدة من السماء، وهي الخوان الذي عليه الطعام لأن المائدة لا تسمى مائدة حتى يكون عليها الطعام، فإن لم يكن عليها الطعام سُميت خُِوانا بكسر الخاء أو ضمها، وقد احْتفل ويحْتفل المسيحيون بيوم الأحد أسبوعيا، بل إن الأمر لم يقتصر بهذا الخصوص على الشعوب المسيحية وإنما عم كثيرًاً من الشعوب الاسلامية التي خضعت لسيطرة ا لدول المسيحية في فترة زمنية مّا. حيث طبعتها بطابعها الحضاري في كثير من مناحي الحياة وعلى رأسها اعتبار يوم الأحد عطلة أسبوعية بدل يوم الجمعة، وهذا يعني أن الشعوب الاسلامية التي تتبنى هذا السلوك المسيحي متمسحة في هذا الجانب.

ثانيا : ورد في الحديث السابق وهو النص رقم 2 >إن الله يحب النّكل على النكل< قال أبو عبيد : وقوله المبدئ المعيد (إشارة إلى الرجل القوي كما ورد في الحديث) هو الذي قد أبدا في غزوة وأعاد، وجرّب الأمور طوراً بعد طور، وأعاد فيها وأبدا، والفرس المبدئ المعيد هو الذي قد ريض وأدِّب وذُلِّلَ، فهو طوع راكبه وفارسه يصرفه كيف شاء لطواعيته.. وقيل الفرس المبدئ المعيد الذي قد غزا عليه صاحبه مرة بعد أخرى…<(ل ع 315/3).

وعليه يمكن أن نستفيد من هذا الحديث الذي أورده ابن منظور في هذا السياق، أن للحنكة و التجربة وطول الخبرة دور في تصريف شؤون حياة الأمة، ويمكن أن نرمز بالنّكل الأول في قوله  >النكل على النكل< إلى المسؤول المسير في تخصص ما وفي أي مستوى من المسؤولية، أما النكل الثاني فيمكن أن يكون هو المجتمع الحر المنظم وفق تقاليد وأعراف عريقة، فهو منقاد مثل الفرس المبدئ ا لمعيد. ولا غزْو بالنسبة للنكل الأول (المسؤول) من مكابدة مصاعب حسن التدبير، وتصريف الأمور بالحكمة المطلوبة، وتفويت الفرصة على كل متلاعب بمصالح العباد، كما يفوت الغازي المحارب الفرصة على العدو حتى لا يطأ أرض الوطن، أو يحدث فيه ما يمس بكرامة الأمة، فالدّربة على فنون القتال في الغزو تقابلها المهارة في تسيير شؤون الأمة بالحكمة المطلوبة، قال تعالى : {إن خير من استاجرت القوي الأمين}(القصص : 26).

ثالثا : أما المثال الثالث وهو قول الشاعر الذي تكررت فيه كلمة العيد، فقد لخص محبته في يومي العيد والجمعة، وهذه إشارة إلى أن مفهومي العيد الأسبوعي (يوم الجمعة) والسنوي مثل أحد العيدين عند المسلمين، وعليه ينبغي أن نقف عند دلالات العيد لنرى ما قد ترمز إليه من مفاهيم من ذلك ما يلي :

أ- العيد : كل يوم فيه مسرة فهو عيد، ولذا قيل : عيد، وعيد.. (البيت السابق في المثال رقم 3) الكليات 597

ب- وقيل العيد لغة : ما عاد إليك من شيء في وقت معلوم سواء كان فرحاً، أو ترحاً، وغلبت الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية (فاستعمل بمعنى الفرح لا العكس).

جـ- وقال الخليل : العيد : >كل يوم يجمع الناس لأنهم عادوا إليه<البحر المحيط 412/4- 413).

د- وقال ابن الانباري : سمي عيداً للعود في المرح والفرح فهو يوم سرور الخلق كلهم، ألا ترى أن المسجونين في ذلك اليوم لا يطالبون ولا يعاقبون، ولا يصاد الوحش ولا الطير، ولا ننْفُذ الصبيان إلى الكتاب.

هـ- وقيل سمي عيداً لأن كل إنسان يعود إلى قدر منزلته ألا ترى اختلاف ملابسهم وهيئاتهم ومآكلهم، فمنهم مَن يُضيف، ومنْهُم من يُضاف، ومنْهم من يَرْحم، ومنهم من يُرحم.

و- وقيل لأنه يوم شريف تشبيها بالعيد : وهو فحل كريم مشهور عند العرب، وينسبون إليه فيقال : إبل عيدية قال الشاعر :

عيدية أرْهِنتْ فيها الدّنانِيرُ (القرطبي 367/6- 368).

يلاحظ من خلال هذه التعاريف أن الأربعة الأولى منها تشترك في مضمونها بنِسْبة مّا إذ أنها تعنى في مجملها لحظة المسرة والفرح وإن كان التعريف الأول (أ) والرابع (د) يتطابقان في إفادة معنى الفرح والمسرة، في حين أن التعريفين (ب وجـ) يتفقان في مفهوم العودة من الشيء أو إليه.

أما التعريف الخامس (هـ) فإنه يلخص كل التعاريف السابقة عليه لمفهوم العيد، لأنه يجسم دلالات الفوارق الاجتماعية في ذلك اليوم الذي يفرح فيه الناس بالعيد بعد أن عاد إليهم حيث يعبرون عن فرحتهم كل بمستواه وقدراته، ويرحم بعضهم بعضاً بتبادل الإكرام والشكر، إنه يوم شريف حقا كما يدل عليه أصل تسميته في التعريف (السادس : و) إذا احتفظ الناس فيه بمعاني التراحم وتبادل الإكرام إنه يوم سرور الخلق كلهم حتى السجناء الذين يقضي الشرع أو القانون بمعاقبتهم لفترة من الزمن تشملهم رحمات يوم العيد. وبما أن الناس ينشغلون بفرحة العيد فإن الطبيعة ينالها نصيبها من الراحة البيولوجية حيث تتوقف مراكب الصيد في أعالي البحار، وغيرها من وسائل مطاردة الحيوانات إنه عيد الرحمة حتى بالنسبة للكائنات غير البشرية. ومن هنا نرى والله أعلم أن مفهوم العيد يعني معاني كل تلك التعاريف مجتمعة فهو يوم فرح ومسرة للخلق كلهم، وهو ظرف زماني يتراحم فيه الناس بعد أن تظهر الفئات المحتاجة في المجتمع، وهو يوم ترتهن في الكرامات على غرار ارتهان الدنانير في الجمال العيدية. وهذه المناسبة لا تمر ثم تمضي إلى غير رجعة ولكنها تعود مرة  كل سنة قال ابن الأعرابي >سمي العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد<(ل ع 319/3) ذلك هو العيد، الذي هو مناسبة لمعالجة بعض مشاكل الإنسان النفسية والمادية بقول ابن منظور : >والعيد : شجر جبلي ينبت عِيداناً نحو الذراع أغْبَر لا ورق له ولا نوْر، كثير اللحاء والعقد يضمض بلحائه الجرح ا لطري فيلتئم<(ل ع 322/3).

فهل تضمض الأمة الاسلامية جروحها الموسمية يوم العيد بما يطلب منها فعله شرعا، وجوبا أو ندباً في ذلك اليوم؟ وهل تعطي للاعياد الصغرى كيوم الجمعة وزنها، العرفي (بالتوقف عن العمل بدل يوم الأحد) والشرعي بالإسراع إلى الصلاة عند النداء مصداقا لقوله تعالى : {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}(الجمعة : 9).

وهل يعرف الأغنياء ما يلزمهم نحو الفقراء والمحتاجين في ذلك اليوم حتى يعم الفرح كل أفراد المجتمع المسلم يوم العيد.

وهل يتمنى الفقراء عودة العيد ليفرحوا فيه، أم يعتبرونه محطة التكاليف الزائدة عن مستوى معيشتهم، فيكون بذلك ظرف انزعاج موسمي، لا يوم فرح وسرور كما أراده الله، وهل، وهل؟؟؟!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>