ذكر المقريزي في كتابه (المواعظ والاعتبار) واصفا افتتاح دار الحكمة في يوم العاشر من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وثلثمائة، فقال:
“وفي يوم السبت هذا، فتحت الدار الملقبة بدار الحكمة بالقاهرة، وجلس فيها الفقهاء، وحملت الكتب إليها من خزائن القصور المعمورة، ودخل الناس إليها، ونسخ كلُّ من التمس نسخَ شيءٍ مما فيها مما التمسه، وكذلك من رأى قراءة شيء مما فيها، وجلس فيها القراء والمنجمون، وأصحاب النحو واللغة، والأطباء بعد أن فرشت هذه الدار، وزخرفت وعلقت على جميع أبوابها وممراتها الستور، وأقيم قُوام وخُدام وفراشون وغيرهم وُسِموا بخدمتها، وحصل في هذه الدار من خزائن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله من الكتب التي أمر بحملها إليها من سائر العلوم، والآداب والخطوط المنسوبة ما لم ير مثله مجتمعاً لأحد قط من الملوك. وأباح ذلك كله لسائر الناس، على طبقاتهم ممن يؤثر قراءة الكتب، والنظر فيها فكان ذلك من المحاسن المأثورة أيضاً، التي لم يسمع بمثلها من إجراء الرزق السَّني، لمن رسم له بالجلوس فيها، والخدمة لها من فقيه وغيره، وحضرها الناس على طبقاتهم، فمنهم من يحضر لقراءة الكتب، ومنهم من يحضر للنسخ، ومنهم من يحضر للتعلم، وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر، والأقلام، والورق والمحابر… ووقف الحاكم بأمر الله أماكن في فسطاط مصر على عدة مواضع، منها دار الحكمة. وكتب بذلك قاضي القضاة مالك بن سعيد ما نصه: ويكون العشر وثمن العشر لدار الحكمة لما يحتاج إليه في كل سنة من العين المغربي: مائتان وسبعة وخمسون ديناراً، من ذلك الثمن الحصر العبداني، وغيرها لهذه الدار عشرة دنانير، ومن ذلك لورق الكاتب يعني الناسخ تسعون ديناراً، ومن ذلك للخازن بها ثمانية وأربعون ديناراً، ومن ذلك لثمن الماء اثنا عشر ديناراً، ومن ذلك للفراش خمسة عشر ديناراً، ومن ذلك للورق والحبر والأقلام، لمن ينظر فيها من الفقهاء اثنا عشر ديناراً، ومن ذلك لمرمة الستارة: دينار واحد، ومن ذلك لمرمة ما عسى أن يتقطع من الكتب وما عساه أن يسقط من ورقها: اثنا عشر ديناراً، ومن ذلك لثمن لبود الفرش في الشتاء خمسة دنانير، ومن ذلك لثمن طنافس في الشتاء أربعة دنانير”.