العمرة من آكد السنن في الإسلام، حتى أن بعض الأئمة كأحمد بن حنبل والشافعي عدها ضمن الفرائض، وكانت تسمى قديماً “الحج الأصغر” وقد سئل رسول الله : هل العمرة واجبة مثل الحج؟ فقال : >لا، ولكن أن تعتمر خير لك<(رواه الترمذي). جاءت العمرة مقرونة بالحج الذي هو ركن من أركان الإسلام الخمسة، ففي القرآن، قال الله تعالى : {وأتموا الحج والعمرة لله}(البقرة : 195). وجاء ذكرها كذلك في السنة النبوية، قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله : هل على النساء من جهاد؟ قال : >نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة< وقال : >العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما<(رواه البخاري).
والعمرة في اللغة : الزيارة، وسميت بذلك لأنها يزار فيها البيت الحرام، ويقصده العمار مهللين ملبين طاعة لله تعالى.
وفي الاصطلاح الشرعي : زيارة بيت الله الحرام بمكة المكرمة على وجه مخصوص بنية التعبد لله، وهي سنة في مذهب الإمام مالك وأبي حنيفة.
والعمرة ليس لها عدد محدد، ولا وقت معين، ولكن شأنها في ذلك كشأن غيرها من القربات التي يزداد ثوابها بتزايد أعدادها، بشرط ألا يؤديها المعتمر في خمسة أيام من السنة : يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، وتؤدى في غيرها من أيام السنة، بالليل أو بالنهار، وإن كان شهر رمضان يحتل المقام الأول بالنسبة لأداء هذه العبادة. قال لامرأة من الأنصار : >ما منعك أن تحجي معنا< قالت : كان لنا ناضح، فركبه أبو فلان وابنه، وترك ناضحاً ننضح عليه، قال : >…فإذا كان رمضان اعتمري فيه، فإن عمرة في رمضان حجة<(رواه البخاري).
لم يعتمر الرسول مدة إقامته بمكة، وإنما تركزت عمراته في المدة التي قضاها في المدينة بعد أن هاجر إليها، فاعتمر أربع عمر كلهن في شهر ذي القعدة : عمرة الحديبية في السنة السادسة للهجرة، وهي التي صده عنها كفار قريش، وعمرة القضاء في العام التالي لعمرة الحديبية لتكون قضاء عن عمرة العام الفائت، وعمرة الجِعْرانة في السنة الثامنة للهجرة، وعمرة اقترنت بحجّه في السنة العاشرة للهجرة.
والملاحظ أن الرسول لم يعتمر قط في شهر رمضان مع أن النصوص الحديثية الصحيحة الواردة عنه تدل على أن رمضان أفضل أوقاتها، قال : >عمرة في رمضان تقضي حجة<(رواه مسلم)، وفي رواية أخرى >تقضي حجة معي< وفي رواية لأبي داود >تعدل حجة معي من غير شك< والحكمة من ذلك أن الرسول لم يعتمر في رمضان حتى لا يشق على أمته، وألا يفهم من مواظبته على العمرة في رمضان معنى الحتمية واللزوم، ولذا اكتفى بقوله عن فعله، والله أعلم.
تتركز أعمال العمرة في الإحرام من الميقات، والطواف حول الكعبة والصلاة خلف مقام إبراهيم، والشرب من ماء زمزم، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير لشعر الرأس.
وتفصيل ذلك : أن من أراد العمرة وكان داخل مكة، يبدأ إحرامه بالعمرة من الحل لأمره عائشة رضي الله عنها أن تعتمر من التنعيم (مسجد عائشة) على بعد 7 كلم من البيت الحرام.
أما من جاء من آفاق الأرض من أي طريق أقبل، فإنه يحرم بالعمرة من المكان المعين لأهل كل جهة، فبالنسبة لبلادنا المغرب قرية (رابغ) على بعد 17 كلم من الجحفة التي تبعد عن المسجد الحرام ب 187 كلم من الجهة الشمالية الغربية، وإذا قدم من المدينة المنورة فيحرم من ذي الحليقة (آبار علي) على بعد 420 كلم من مكة من الناحية الشمالية.
وكيفية الإحرام بالعمرة أن يبدأ المعتمر بالغسل، ثم يرتدي ثوبين أبيضين إزاراً ورداءً غير مخيطين، والمرأة تحرم فيما شاءت من الثياب المباحة لها غير متبرجة بزينة، ثم يَنوي المعتمر الإحرام وهو نية الدخول في العمرة ويقول : اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني، أولبيك اللهم عمرة، ويبدأ بالتلبية : >لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك< يجهر المعتمر بالتلبية ولا تجهر بها المعتمرة. ويكثر منها كلما تجدد له موقف، أو تبدل له حال، فإذا وصل مكة طاف بالكعبة سبعة أشواط، يبدأ من الحجر الأسود ويقول : بسم الله الله أكبر، وينتهي إليه، ويدعو بما شاء، ويسن للمعتمر أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار}(البقرة : 199) وعلى المعتمر أن يضطبع بردائه فيجعل رداء الإحرام تحت إبطه الأيمن وطرفه على كتفه الأيسر بحيث يكشف عن كتفه الأيمن، كما يسن له أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط إذا كان ممكناً، وله أن يستلم الحجر الأسود إذا تيسر له ذلك، فإن لم يستطع بسبب الزحام أشار إليه بيده كلما مر أمامه، ثم بعد الانتهاء من الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر وإلا ففي أي مكان من المسجد، يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة الإخلاص، بعد ذلك يتوجه إلى مكان وجود ماء زمزم، فيشرب منه ويقول : >اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء< قال : عن ماء زمزم : >إنه طعام طُعْم<(رواه مسلم) وزاد أبو داود >وشفاء سقم< ثم يتوجه إلى الصفا فيصعد عليها مستقبلاً الكعبة داعياً مهللاً مكبراً، ويقول أبدأ بما بدأ به الله : >إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم}(البقرة : 157) ويقول بعد ذلك : >لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده< ثم يهبط من الصفا إلى المروة، فإذا وصل العلمين الأخضرين، أسرع في مشيته إذا كان ذلك ممكناً، ثم يصعد على المر وة ويفعل ما فعل في الصفا، ثم يعود إلى الصفا وهكذا حتى يتم له سبعة أشواط، فالشوط يبدأ من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، فتكون البداية من الصفا والنهاية عند المروة، فإذا أنهيت أيها المعتمر سعيك، فأحلق أو قصر من شعر رأسك، والمرأة تأخذ من شعرها قدر أنملة (2سم) وبعد الفراغ من الحلق أو التقصير يقول المعتمر : >الحمد لله الذي قضى عني نسكي< وبذلك تكون قد أتممت عمرتك، وبعدها يباح لك كل شيء من محظورات الإحرام.
تنبيه : إذا أقيمت صلاة الفريضة والمعتمر يطوف أو يسعى، فإنه يصليها مع الجماعة، ثم يكمل ما بقي من طوافه وسعيه، ولابد من تغطية كتفه الأيمن أثناء الصلاة إذا كا ن مضطبعاً.