هل الحجاب من حقوق الإنسان؟


“حقوق الإنسان” من المصطلحات التي اكتسبت في العصر الحديث أهمية وانتشاراً كبيرين، واعتنق شعارها دول وأفراد ومجتمعات، ودُمِّرت بسببها دول وحضارات، وأبيدت شعوبٌ وجماعات.

والمتأمل للقضية يجد أن أساسها سليم ومنطقي بل واجب وشرعي، لأن الإنسان الذي كرّمه الله تعالى على رأس المخلوقات أحق أن يكرّم من قبل بني جنسه، ومن مسلمات التكريم أن يكون له الحق في الحياة وما تتطلبه من عيش مادي كريم، أكلاً وشُرباً ولباساً، ومن كرامة معنوية تتجلى أساسا في الحرية وعدم الاستعباد بجميع أشكاله، ولله در عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال : >متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟<.

لكن المسألة لا تتعلق بالمبدأ بقدر ما تتعلق بالتأويل والاستعمال، حيث إن المفهوم قد يضيق وقد يتضخم أو قد يلوى عنقه ليصبح شعاراً فارغاً وسيفا مصلتا على رقاب العباد، كما يحدث الآن في الكثير من بقاع العالم.

ومما يُعْجَبُ له من المفارقات ما يتعلق بلباس ا لمرأة الذي أضْحَى شعاراً تنحر به كرامة المرأة، بكل ما يحمل التعبير من معنى.

تبدو المفارقة أنه في الوقت الذي تُدفع فيه (ولا أقول يُسمح) المرأة دفعا إلى العُرْي وعرض الأجساد و”التصريح بكل ممتلكاتها الخاصة الذاتية” بل وجرِّها إلى سوق النخاسة “الحضارية”، بأن تتخذ أماكن لهذا العرض، تعرض فيها “متاعها” في الشوارع العامة. كما يُعْرض الثوب والحذاء بهدف جلب زبائن المتعة الهابطة، أو في الأماكن الخاصة من فنادق وما شابه الفنادق فخامة وشُبْهَة، أقول إنه في الوقت الذي تدفع فيه المرأة إلى هذا، يمنع عليها قطعةُ ثوبٍ تغطي بها رأسها، بدعوى أن ذلك رمز ديني أو شعار طائفي، أو انتماء إرهابي، أو عودة إلى زمن التخلف والرجعية، زمن الحريم وزمن ألف ليلة وليلة.

هكذا بكل بساطة وبِشعار سياسي تُمنع المرأة من أبسط حقوقها في أن تلبس ما تراه ستراً لها، وفق فطرة اللباس، لأن اللباس في أصله ستر للعورة، ووقاية من الحرّ والقرِّ.

ولو تأمّل المرء قليلاً لوَجَد أن منع  المرأة من سِتْر ما تراه عورة، ليس هو إيذاء لها فقط، ولكنه أيضا للآخرين، لأنها حين تمنع من ذلك وتدفع إلى عرض ما ينبغي أن يُسْتر فإن الآخرين يتأذّون من ذلك ولو بطريقة غير مباشرة. من الذي يلفت أنظار الناس؟ هل المرأة الساترة لجسمها وفق عُرف البلد وتقاليده، أم العارضة لجسدها “المصرحة بممتلكاتها”؟ من الذي يثير غرائز الناس؟ من الذي يستعدي الذئاب البشرية؟ من؟ من؟ أهذه أم تلك؟

وتبدو المفارقة أكثر حينما تكتسب المسألة طابعا سياسيا، كما يحدث الآن في تركيا، حيث إنه بسبب الحجاب قد تُخلع حكومة، وقد يُحَلّ حزْبٌ بأكمله نال شعبية كبيرة في الانتخابات الأخيرة. كل ذلك بدعوى أن الحجاب مخالف للعلمانية وأن ما فعله البرلمان الذي يمثل الشعب هو فِعْل يقوض مبادئ العلمانية، وكأن العلمانية انحصرت كلها في قطعة قماش تضعه الطالبة الجامعية على رأسها، مع العلم أن الجامعة في كل بلدان العالم هي محضن الحرية والديموقراطية ومنبر للتعبير عن الرأي بكل حرية وشفافية.

وتكمل المفارقة أن وسائل الإعلام تحدثت في الأيام الأخيرة عن امرأة بريطانية مسلمة تعمل شرطية ارتدت الحجاب، وتزاول مهمتها في الشارع رفقة زملائها الشرطة وهي مرتدية لحجاب رأسها دون أن تضع قبعة الشرطة المعروفة، وطبعا دون أن ينتقص ذلك من وظيفتها أو ينال من هيبتها.

هذا وهي شرطية وليست طالبة في الجامعة، وفي مجتمع غير اسلامي، ولكن الأمر يتعلق بحق من حقوق الأمر، إذا وجَدَ من يصونه ويرعاه، حصلت المرأة على حقها وضمنت كرامتها، وإذا وجد من يخرقه ويدوس عليه، استعبدت المرأة، ودُفعت إلى الرذيلة دفعا.

فمن يحمي، هذا الحق الطبيعي الفطري، ويشجع عليه؟؟؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>