خديجة أوسعدان – طاطا -
إن تربية الأبناء موضوع كبير وعظيم الشأن ولا يمكننا حصره في أسطر قليلة، بل يحتاج منا إلى دراسات عميقة ومؤلفات كثيرة ومحاضرات هادفة، وخاصة في هذا العصر الذي تعددت فيه المفاسد وفي مقدمتها وسائل الإعلام التي تعصف بالأبناء يمينا ويسارا فاختل توازنهم وتشتت أفكارهم وتعبت عقولهم الفتية، وأصبحوا لا يعون إلى أي جهة يستمعون وبمن يقتدون أبأسرهم أم بالإعلام أم بالمناهج التربوية، وهذا الاختلال الحاصل هو ما أدى إلى ما نحن عليه الآن وما نراه اليوم من مظاهر الإنحراف والتفكك الأسري والإغتصاب والإدمان بمختلف أنواعه والجرائم التي انتشرت في كل مكان فذلك الإختلال نتيجته مانحن فيه من التخلف، وهذا ما يتطلب منا تفكيرا عميقا وتأملا في كيفية الوصول للمنهج السليم في التربية، وديننا ولله الحمد اهتم بهذا الشأن اهتماما بالغا وعلى هذا نزلت آيات متعددة ورويت أحاديث نبوية توجه الأباء إلى الصراط السليم في التربية، ولعل أول ما وصانا به صلى الله عليه وسلم يتجلى في قوله صلى الله عليه وسلم >افتحوا على صبيانكم أول كلمة بـ : لا إله إلا الله<(رواه الحاكم) فبهذا يرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى أول خطوة في التربية السليمة وانطلاقا منها يجب على الأسرة غرس مجموعة من القيم والأخلاق في نفسية الطفل لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر فإن لم يتلق الطفل المبادئ الأساسية لتكوين شخصيته، فربما تواجهه صعوبات كبيرة في المستقبل في حياته العلمية والمهنية والأسرية ولكي تتفادى الأسرة وصول الأبناء لهذه المرحلة وضع الرسول صلى الله عليه وسلم ضوابط هادفة للتربية الصحيحة فسيرته صلى الله عليه وسلم حافلة بنماذج رائعة وإرشادات مهمة ونصائح جمة فإذا اتخذت الأسرة الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة في التربية مع حسن المعاملة فلا ريب ستكون النتيجة أننا قدمنا للمجتمع ذرية صالحة يعود نفعها على الأسرة والمجتمع والدين والوطن، ولكن لن نصل لتك النتيجة إلا إذا ابتعدنا عن مجموعة من السلوكيات السيئة والتي تؤثر في نفسية الطفل تأثيرا عميقا نذكر بعضا منها وعلى رأسها الضرب بعنف ولأتفه الأسباب فلا يمكن لطفل يضرب بقسوة صباح مساء أن يكون لبنة صالحة في المجتمع بل ربما يصبح مجرما أو ما شابه ذلك لأن العنف لا يولد إلا مثله والتربية السليمة تكون بالرفق والقدوة الصالحة وليس بالعنف.
ومن ضمنها كذلك التيئيس والتحبيط فكثيرا ما نسمع الآباء ينادون أبناءهم بأسماء للحيوانات فكيف نريد من طفل يسمع تلك الألقاب أن يكون قائدا ناجحا في حياته فهذا لا يمكن كما لايمكننا أن نصعد للقمر ونحن نحفر تحت الأرض، وبالتالي يجب تنفير تلك الألقاب لأنها تقضي على طموح الطفل تدريجيا ولا يمكن لأمتنا أن تنهض إلا إذا تربى أبناؤها على الطموح والإبداع ليرتقوا بهذه الأمة الإسلامية.
ومن بينها كذلك الكذب والغش وإن كانت هذه السلوكيات في نظر البعض طبيعية لكنها في الأصل ليست كذلك لأن لها تأثيرا عميقا وسلبي في نفسية الطفل لأنه مطالب بالتحلي بالقيم والأخلاق وهو يرى القدوة تنهاه عن شيء وتأتيه فأي تربية هذه؟! فعار عليك أن تنهى عن شيء وتأتيه قال الله تعالى : {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}(الصافات : 3) إذن فهذه بعض السلوكيات التي تفسد الطفل وتؤدي به للإنحراف لذا المرجو الإقلاع عنها لما فيها من الضرر الكبير على الأسرة والمجتمع وهناك بدائل لهذه المساوئ فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إليها فبدلا من الضرب والتعنيف يوجد الرفق واللين فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : >ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه< فكفانا منه ولنقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم لنصل إلى المطلوب وبدلا من التيئيس والتقليل من قيمة الطفل وقتله بالكلمات الرديئة هناك الإحترام والتقدير والنصح والحوار فهذا عبد الله لقمان يعظ ابنه برفق واحترام ويقول قال الله تعالى : {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} وقال {يا بني أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، ولا تصاعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}(لقمان : 18) تأملوا معي هذه النصائح الغالية وانظروا كيف كا ن السلف الصالح يربون أبناءهم برفق وكلمة طيبة وليس بتيئيس وتحقير، وبدلا من الكذب والغش يوجد الصدق والعدل بين الأبناء لأن الطفل إذا سمع الأب يكذب ويغش فلا شك سيصنع مثلما صنع لذا فالصدق مع الأبناء واجب وخلق رفيع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن الكذب ولو كان مع الأبناء فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : >دعتني أمي يوما والرسول صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت يا عبد الله تعال حتى أعطيك فقال لها صلى الله عليه وسلم : ما أردت أن تعطيه؟ فقالت : أردت أن أعطيه ثمرة، فقال صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة<(أخرجه ابن داود) وقال كذلك : >من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة<(أخرجه المام أحمد).
إذن فهذه البدائل ولا ريب أنها خير وأفضل بكثير من السلوكيات المدمومة لأن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نربي الأبناء.