السحر : الـمفهوم والحكم والعلاج


ذ. محمد بنشقرون

يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز من سورة البقرة الآية 102 {واتّبَعُوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت…}.

كلنا نسمع أشياء كثيرة عن السحر والسحرة، وربما نعرف أناسا وقعت لهم مشاكل في حياتهم جعلتهم يفكرون في الالتجاء إلى باب السحر، عسى أن تحل تلك المشاكل أو بعض منها، ولكن المؤمنين الذين تمكن الإيمان من قلوبهم يفوضون أمرهم إلى مولاهم وخالقِهم الذي ما أعطى داء إلا أوجد له دواء؛ ويتيقنون كذلك من قوله عز وجل : {وأفوض أمري إلى الله} إذ الله سبحانه عز وجل هو الشافي والعافي والكافي والمنجي من كل بلاء ومن كل كرب وهم.

فما هو السحر وما هي حقيقته ومن هم السحرة، وما حكم السحر في الشريعة الإسلامية السمحة؟

إن السحر ورد في عدد كبير من سور القرآن الكريم وآياته.

السحر أصله التمويه بالحيل والتخاييل، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني، فيُخيّل للمسحور أنها بخلاف ما هي به، كالذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء، وكراكب السفينة السائر سيرا حثيثا يخيل إليه أنه يرى الأشجار والجبال سائرةً معه.

وقيل : هو مشتق من سحرت الصبي إذا خدعته، وكذلك إذا عللته.

وقيل السحر : أصله الخفاء، فإن الساحر يفعله في خفية.

وقيل السحر : أصله الصرف؛ يقال ما سحرك عن كذا، أي ماصرفك عنه؛ فالسحر مصروف عن جهته.

وقيل في قوله تعالى : {بل نحن قوم مسحورون} أي سُحِرْنا فأزلنا بالتخييل عن معرفتنا.

وقيل السحر الأُخْذة؛ وكل ما لطُف مأخذه ودق فهو سحر، وقد سحره يسحره سحرا.

أما الساحر، فهو العالم بالسحر، وسحَره أيضا بمعنى خدعه، والساحر كذلك شديد البهت والتمويه والكذب.

هل للسحر حقيقةٌ أم لا؟

ذكر بعض العلماء أن السحر عند المعتزلة خداع لا أصل له، وعند بعضهم السحر وسوسة وأمراض، وأصله طلّسْم يُبنى على تأثير خصائص الكواكب، كتأثير الشمس في ز ئيق عصي سحرة فرعون، أو تعظيم الشياطين ليسهلوا له ما عَسُر.

وفي تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي رحمه الله تعالى (44/1) يقول : وعندنا أنه حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما شاء، ثم من السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة. والشعوذي : البريد لخفة سيره.

وقال بعض العلماء الشعوذة خفة في اليدين وأُخْذة كالسحر؛ ومنه ما يكون كلاما يحفظ، ورقى من أسماء الله تعالى، وقد يكون من عهود الشياطين؛ ويكون أدوية وأدخنة (البخور) وغير ذلك.

ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة، وذهب عامة المعتزلة وأبو إسحاق الاستربادي من أصحاب الشافعي إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام لكون الشيء على غير ما هو به، وأنه ضرب من الخفة والشعوذة، كما قال تعالى : {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} ولم يقل تسعى على الحقيقة، ولكن قال {يخيل إليه}.

سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفصاحة في الكلام واللّسانة فيه سحرا؛ فقال : >إن من البيان لسحرا<(أخرجه مالك وغيره). وذلك لأن فيه تصويب الباطل حتى يتوهم السامع أنه حق.

قال العلماء : وسِحْرُ الدنيا : محبتها وتلذذك بشهواتها، وتمنيك بأمانيها الكاذبة حتى تأخذ بقلبك، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >حبك الشيء يعمي ويُصِمُّ<.

إن بعض الناس، عفا الله عنا وعنهم تنصرف نفوسهم وتفكيرهم إلى أن الشيء والذي يقع لبعضهم لا يمكن أن يُحل إلا بالالتجاء إلى السحرة الذين يكشفون لهم الأشياء التي غابت عنهم، مثال ذلك، وهذا واقع مشاهد معروف أن بعض الناس إذا سُرق مالهم أو بعضُ حوائجهم أو غاب عنهم قريب أو حبيب أو ولد، فمن سيكشف عن سارق المال أو مكان غياب الولد والحبيب إلا السحرة وهكذا يتوجهون عند أحد السحرة، ولو كان السحرة يعلمون شيئا لأغنوا أنفسهم بالمال قبل كل أحد، ولصاروا أغنياء العالم.

يا من يفكرون أن السحر يحل مشاكلهم، ها هو الدواء النافع والحصن الحصين من مشاكل الدنيا، والنفعِ بالآخرة، عليكم بكتاب الله تعالى، قراءةً وحفظا وتدبرا وتطبيقا، فوالله الذي لا إله إلا هو لا يخيب الله سبحانه من يتشبث به ويخلص العمل له.

عليكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أرشدنا إلى الأذكار النبوية الشريفة صباح مساء وفي كل مكان وزمان وفي كل حال.

عليكم بالصلاة فإنها صلة بالرب جل جلاله، والوضوء سلاح المؤمن. عليكم بالدعاء فإنه مخ العبادة شريطة التوجه إلى المولى جل شأنه بقلب خالص ونية صادقة.

هذان نموذجان قرآنيان من كلام ربنا جل شأنه، وهما للاستشفاء بإذن الله عز وجل :

يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل : {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور}(يونس : 57).

ويقول سبحانه : {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمومنين}(الإسراء : 82).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : >يا غلام إني أعلمك كلماتٍ، احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف<(رواه الترميذي وقال حديث حسن صحيح).

فاللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا يا رب من الراشدين فضلا منك ونعمة، آمين والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>