د. عبد الحفيظ الهاشمي
4- التعــاون :
يقول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}(المائدة : 2).
والبر كل ما يرضي الله عز وجل، والتقوى كل ما يحقق طاعته. والدعوة بكل مستوياتها حتى الجهاد هي قمة البر.
ويذكر العلامة الحسن اليوسي رحمه الله في إحدى رسائله إلى السلطان المولى إسماعيل رحمه الله، بأن مفهوم التعاون يتشخص في لزوم المعاشرة والصحبة قصدا للتعاون على الخير علما وعملا وجهادا.
وهذا يكون بشروط هي ربط التعاون بالانضباط للأحكام الشرعية والأخلاق الإسلامية، وترك الشح والهوى والإعجاب بالرأي، مصداقا للحديث الشريف: >إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصية نفسك<(أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة).
ويرى العلماء أنه في حالة ظهور هذه المفاسد الثلاث، ينبغي ترك أهل الفساد والبحث عن أهل الخير للتعاون على الخير وخدمة الإسلام أبدا مهما كانت الأحوال.
وعموما فإن الأخوة والمحبة والتعاون مبادئ أساسية في الجماعة الجسد لخدمة مقصدين كبيرين هما:
- وحدة الصف.
- والتعاون على خدمة الدين ونصرته.
ومع هذه المبادئ يجب ترك الغل والحسد والغش بين أفراد الجماعة. قال تعالى : {ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}(الحشر : 10)، وفي الحديث >المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهم بعضا<. وفي حديث آخر: >ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا<(أخرجه أبو داوود والترمذي وحسنه وابن ماجة).
لأن الغش والغل والحسد أسلحة الشيطان، وهي تأكل وظيفة الأخوة والمحبة كما تأكل النار الحطب، نسأل الله العافية.
فقد حرص صلى الله عليه وسلم على أن يحيا المؤمن داخل الجماعة فيبقى نافعا مؤثرا، إذ الواحد مهما كان صلاحه وتقواه. ومهما كانت طاقته وقوته ومهما كانت فطنته وذكاؤه، فإن تأثيره لن يتجاوز موضع قدميه، ولنعتبر باليد حين تكون وحدها، إنها حينئذ لن تستطيع دفع الأذى عنها. وجزى الله خيرا عبد الله بن المبارك إذ أنشد:
لولا الجماعة ما كانت لنا سبل
وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
وجاء في الأثر : “المستعين أحزم من المستبد، ومن تفرد لم يكمل، ومن شاور لم ينقص”(“الإمتاع والمؤانسة”1/65)
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : >الزموا المساجد، واستشيروا القرآن، والزموا الجماعة، وليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد طول التناظر” (“عيون الأخبار”2/233).
5- التوازن والتكامـل:
فمن التوازن أن يكون الرأس الذي فيه الدماغ -لدى الإنسان وموضعه أعلى الجسم-، هو الجهاز الذي ينظم الحركات والتصرفات، وليس أي عضو آخر في جسم الإنسان، ولهذا فهو في موقع متقدم من الجسم وسائر الأعضاء بحسب منطق الأولويات، فكان لا بد من التعامل معه كذلك وبحسب هذا الموقع.
ولكن هذا الموقع المتقدم (الدماغ القائد) في جسم الإنسان لا يلغي بالضرورة قيمة أي عضو من أعضاء الإنسان مهما كان بسيطا، فلكل دور ووظيفة مهمان في نطاقه وإطاره.
هذا التكامل في جوانب البنية الجسدية للإنسان، أشبه بالتكامل في بنية الجماعة المؤمنة، وما يفرضه منطق الأولويات من توازن في هذا يفرضه تماما في ذلك.
ودونك هذا المثال :”أنت تسير بسرعة كبيرة فتبصر عينك -فجأة- هوة سحيقة أمامك تنقل العين بسرعة الخبر إلى مركز التحليل في الدماغ فيعطي الجواب بسرعة فيصدر أوامره إلى الرجل وإلى الكيان كله فيتحول إلى وجهة أخرى”(“القرآن الكريم روح الأمة الإسلامية”-الشاهد البوشيخي ص:26).
إذن فهذا نموذج لهذا التكامل والتساند داخل البناء الجسمي للإنسان يتم بتفاعل تام، وهو ما ينبغي أن يكون عليه بناء الجماعة الجسد، بحيث تتكامل مصالحهم ويتراكب بعضها على بعض، وتتضافر جهودهم بحسب علاقات متنوعة تكيف لها كل جماعة مؤمنة نفسها تبعا لحاجاتها.
إنه توازن يأتي بحكمة ربانية وقدر مقدور خفي، ووجهه الظاهر كامن في التربية المتبادلة بمعناها التأثيري الواسع.
6- النظــام:
النظام أساس كل تجميع، ولا بد فيه من الرجوع إلى قانون وأمير. أما أن يركب كل شخص رأسه فيعمل كل ما يخطر بباله، ويدخل فيما لا يعنيه ويتصرف فيما ليس من اختصاصه فتلك هي الفوضى التي تنذر كل جمع بالشقاق والانحلال..
وخير مظهر للتقدم في الجسد الطاعة الدقيقة، والتي لا تردد معها ولا حرج في تقبلها.
ونحب أن ننوه أن الطاعة لا تجرح العزة، ولا تهدر الكرامة بحال من الأحوال فليحذر أعضاء الجماعة الجسد هذا، وليعلموا أنه من مداخل الشيطان لهدم البناء وتفريق كل شمل ملتئم.
فالأعضاء في الجسد البشري تأتمر بأوامر الدماغ، وتستجيب في طاعة مطلقة لتنفيذ ما ينبغي من الأفعال والأعمال والأقوال.. دون أن ينقص ذلك من قيمة وأهمية دور ووظيفة كل عضو من تلك الأعضاء.
فهذا تمثيل إلهي في جسم البشر لتقتدي به الأجساد البشرية المؤمنة مجتمعة في جماعة موحدة الأعضاء تحمل خصائص الجسد.
إذن لا ينبغي أن يتسرب ذاك الشعور و يستبد بالنفوس ذاك الإحساس، لأننا نعمل لله تعالى، والله عز وجل لا ينظر في تقدير الأعمال إلى مناصب أصحابها، ولكن إلى صدق النية في ابتغاء وجهه تعالى سبحانه.
وقد يتقبل الله من أهل الصف الأخير، مالا يتقبل من أهل الصدارة والإمارة.
وإنما شرع الله الطاعة لتكون نظاما ينعقد به الجمع، وتتوجه به الأعمال ، فما تحقق لنا فهي الإمارة الراشدة، ولو وليها عبد حبشي، وما لم يتحقق فهو الهدف الذي يجب أن تسعى الجماعة الجسد لتحقيقه.
نقول هذا لا لنستحسنه نظريا و عقليا، بل لنستحسنه عاطفيا قبل كل شيء، ونجعل أعمالنا مصدقة له محققة لثماره المباركة.
ولنذكر دائما أن القليل المجتمع، خير من الكثير المتفرق، و أن الاجتماع والائتلاف على بعض الخير أو بعض الحق خير من الجمع الذي يتفرق أعضاؤه وكل منهم يرى أنه وحده على الحق.