هل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتنا وجود؟


ذ.أبو زيد محمد الطوسي

كلما حل شهر ربيع الأول حلّت معه ذكرى ولادة الحبيب المحبوب، وطبيب القلوب، خير الأنبياء وآخرهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فبمولده جاء الحق وزهق الباطل، وحلّ النور واضمحلت الظلمات، وبمولده عمت الرحمة أرجاء المعمورة فهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة قال تعالى : {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}(الأنبياء : 106) بمولده تآلفت النفوس المؤمنة، وتوحدت القلوب الصافية النقية، ففرحت الكائنات ورددت : جاء الهناء زال العنا، يا فرْحنا يا سعْدنا بمحمد نبينا نلنا المنى،

وُلِدَ الهُدَى فالكائناتُ ضِيَاءُ     ***     وفَمُ الزّمانِ تبسُّّمٌ وثَنَاءُ

فإذا كانت الجمادات قد رحبت بقدوم خير البشرية، فبماذا استقبلته البريَّة؟ كانت البشرية في ضلال مبين، وفي ظلام دامس، قال تعالى  {لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}(آل عمران : 164)  وها هو العالم اليوم يخبط في عمياء خبط عشواء، لم يجد بعد مخرجاً لأزماته وآهاته، فلا سلام ولا أمن، ولا راحة ولا استقرار، ولا صدق ولا أمانة ولا عهد ولا عدل، أما آن لهذا العالَم أن يؤوبَ إلى رحاب هذا النبي الزكيّ كي يقتبس منه ومن أخلاقه وآدابه وحِكَمِه ما تعجز عن كتابته الأقلام، وعن وصفه الكتب والمجلدات!!! فهو الصادق الأمين،  الموصوف بالخُلُق العظيم، قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم : 4) فإن كان العالَم قد أصيب بداء فقدان الرحمة، ولم تنفكّ عنه الغلظةُ والشدةُ والقساوةُ وسوءُ العذاب، فقد كان لرسول الرحمة صدرٌ رحبٌ ينفتح للجميع!! قال تعالى : {فبما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم…}(آل عمران : 159) يقول محمد علي الصابوني في صفوة التفاسير (مج 1 ص 243) في هذه الآية دلالة على اختصاص نبينا بمكارم الأخلاق، ومن عجيب أمره  صلى الله عليه وسلم أنه كان أجمع الناس لدواعي العظمة ثم كان أدناهم إلى التواضع، فكان أشرف الناس نسباً، وأوفرهم حسباً، وأزكاهم عملاً، وأسخاهم كرماً، وأفصحهم بياناً، وكلها من دواعي العظمة، ثم كان من تواضعه عليه السلام أنه كان يرقع الثوب، ويخصف النعل، ويركب الحمار، ويجلس على الأرض، ويجيب دعوة العبد المملوك فصلوات الله وسلامه على السراج المنير بحر المكارم والفضائل… إن أخلاقه لو عُدت لما وسعتها الصفحات، وفضائله لو ذكرت وحصرت لما حوَتها المجلدات، فذِكر أخلاقه وفضائله من باب : مَن أحَب شيئاً أكثر من ذكره، ونحن نحبّه لذا نكثر من ذكره، لكن هل لهذا الحب من تأثير؟ هل لمن نحبه وجودٌ في حياتنا أم أن حبّه لا يجاوز طرف اللسان؟ كل واحد منا إذا سمع كلمة “محمد” إلا وقال صلى الله عليه وسلم، فهل لهذه الكلمة وقعٌ في حياتنا؟ فالمُحِبُّ لمن يحب مطيعٌ، فلا حبّ إذا لم نتّبِعه ولم نقتدِ به قال تعالى : {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}(آل عمران : 31) فشرط المحبة الاتباع والاقتداء به والائتساء بمنهجه وسنته فمن لم يتخذه إسوة فقد ضل السبيل، فهو الأسوة الحسنة لنا قال تعالى : {لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة}(الأحزاب : 21) ومن رغب عن سنته فليس منه، وفي الحديث : >من رغب عن سنتي فليس مني..)) فأين نحن اليوم من الاقتداء به؟ وأين نحن من سنته؟ وأين نحن من سيرته وأخلاقه وآدابه؟ بنظرة فاحصة إلى واقعنا وأحوالنا نجد أننا في وادٍ وحياته صلى الله عليه وسلم في وادٍ آخر، لقد ابتعدنا كثيراً عن منهجه، واقتفينا أثر المغضوب عليهم والضالين، وسنن المفسدين المضلين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، اتبعناهم وأطعناهم في القليل والكثير، أطعناهم فأضلونا السبيل، قال تعالى واصفاً أهل النار الذين أذعنوا للكفار وخنعوا للفجار : {يوم تُقلَّب وجوهُهم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرّسولا وقالوا ربّنا إنّا أطَعْنا سادتنا وكُبَرَاءَنا فأضَلُّونا السّبيلا}(الأحزاب : 67) فعيب على أمة بعث إليها منقذ البشرية فتولّت عنه وتمسكت بالذل والخيبة والانكسار، أمة تنتسب إليه ولا تتبعه؟؟ تنتسب إليه وتحاربه على جميع المستويات فهذا برسمه المسيء، وهذا بكلامه الهابط الرذيل، وهذا بردّه سنة النبي الكريم شكلاً ومضموناً، فكيف يفلح قوم وفيهم مثل هذا السلوك المشين؟ فوجوده صلى الله عليه وسلم كان سبباً في رفع العذاب قال تعالى : {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم..}(الأنفال : 33) فعجباً لأناس يبعدُهم منقذُهم بوجوده وكلامه من النار فيأبَوا إلا العناد والاستكبار، فاستحقوا الويل والبوار، فيا قوْمنا هلموا إلى رحاب هذا النبي العربي الهاشمي الذي جاء إلى هذا العالم منقذاً ومبشراً ونذيراً وسراجاً منيراً، فحَرَّر العباد ونأى بهم من عبادة ما ليس بحق إلى عبادة الحق الذي لا معبود بحق سواه، جاء إلى العالم فحقق الأمن للبلاد والعباد أتاهم بالاسلام شرعةً ومنهاجاً، وأمرهم بمكارم الأخلاق، فقال لما وطئت قدماه الشريفتان المدينة المنورة قال كما في حديث عبد الله بن سلاَم المشهور المخرّج في السنن أنه أول ما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند قدومه المدينة : >يا أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) فبالله عليكم أين تجدون مثل هذا الكلام؟؟؟ مثل هذا السلام؟؟ مثل هذه الرحمة المتدفقة؟؟ فليكن نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم هو مثلنا الأعلى وقدوتنا في أقوالنا وأفعالنا، ولنعضّ على سنته بالنواجذ، ولتكن سيرتُه خير سيرة نتلوها لأبنائنا صباح مساء، فتعليمُ أبنائنا حُبَّ نبيّنا حق علينا، وقد كان الصحابة يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم حبّا جمّا ففضلوا حبّه على حب النفس والأهل والعشيرة والتجارة والبنيان وهذه صورة واحدة من صور محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنك لأحبّ إليّ من نفسي، وأحبّ إلىّّ من أهلي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفتُ أنك إذا دخلت الجنة رُفِعت مع النبيئين وإن دخلتُ الجنة خشيتُ أن لا أراك، فلم يرّدّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين}.. وفقنا الله إلى حبّه وحبّ نبيه الكريم وحبّ سنته والاقتداء بمنهجه،  آمين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>