من المسؤول عن حيرة الشباب؟


كثيراً ما نسمع عبارة : شباب اليوم، تتردد على ألسنة كثير من الناس، ومؤدى تلك العبارة أن شباب اليوم -أو جيل اليوم- هو شباب حائر أو شباب عاجز عن مواجهة مشاق الحياة وأعبائها، وأن الشعور الغالب عليه هو الشعور بالضياع أو بالاغتراب عن المجتمع الذي يعيش فيه، إلى غير ذلك من النعوت التي تطلق جزافاً، وتتكرر كل يوم بمنتهى البساطة دون أن ننتبه إلى خطورتها على نفسية أبناء هذا الجيل الذي نتحسر عليه، والذي يتكون في الواقع من أبنائنا وفلذات أكبادنا، ونحن مسؤولون عنه وعن حيرته، إن كان حائراً وعن عجزه إن كان عاجزاً، وحاشا أن يكون هذا هو فهمنا، وإنما هو عادة جرت أن كل جيل يتهم الجيل الذي يأتي بعده بالقصور والعجز، ولو رجعنا إلى الماضي القريب والبعيد وتأملنا أنفسنا عندما كنا شباباً مثلهم، لوجدنا أن الجيل الأسبق كان أيضاً يرمينا بالتخاذل، ويعيب علينا ضعف الهمة، ويخشى علينا من مجابهة الحياة، ولكن جيلنا قد صمد واجتاز المرحلة وحقق كثيراً من النجاح ومزيداً من التقدم، وهذا هو شأن شباب اليوم، فنحن في الحقيقة نشفق عليه، ونريد أن نجنبه المتاعب والأخطاء التي لاقيناها، والواقع أن شباب اليوم أسعد حظاً وأحسن حالاً من جيلنا، وحسبه أنه قد وُجد في العصر الذي استطاع الإنسان فيه أن يغزو الفضاء، وقد بلغ فيه ازدهار الحضارة إلى مدى بعيد لم يكن يخطر على بال أحد من أبناء الأجيال السابقة، ولعل هذه المدنية العصرية نفسها أن تكون سبباً من الأسباب الهامة في صراع الشباب وحيرته ما بين المادية متمثلة في الاختراعات العظيمة، وما بين الإيمان متمثلاً في القوة الروحية التي يختلج بها ضميره منذ الصغر، وتوحي إليه فطرته السليمة، وهذا الصراع الدائر في نفوس الشباب ليس مرجعه تفكير الشباب وحده، واضطراب ذلك التفكير بين الماديات والروحانيات، وإنما يجب أن نعترف وبصدق وشجاعة بأن لنا دوراً فيه وأننا مسؤولون عنه إلى حد كبير، ومن هنا كان لزاماً علينا أن نواجه هذه المسؤولية وأن نسعى إلى إصلاح ذلك، فالآباء إذن هم الذين يجب أن يأخذوا بأيدي أبنائهم، وأن يمدوا إليهم يد العون والمساعدة، ويرشدونهم إلى طريق الهداية، فالإسلام ألقى المسؤولية في التوجيه على الوالدين واعتبرهما مسؤولين عن تربية أبنائهما، قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}(التحريم : 6).

وإذا كنا نعيب على شباب اليوم أنه حائر أو أنه يشعر بالإحباط، فإننا يجب أن نبحث عن السبب الحقيقي لذلك، وهو أننا لم نهتم بتربية هؤلاء الشباب التربية الإسلامية الصحيحة التي تقوم أساساً على الإيمان، فالإيمان المطلق الذي لا يشوبه شك ولا تردد هو أساس الثقة بالنفس والثقة بالحياة.

فالشاب الحائر أو الذي يشعر بالضياع أو الاغتراب، ويواجه مشكلة أو صعوبة في الحياة، لو كان مؤمناً حق الإيمان لولّى وجهه نحو الله تعالى وأسلم إليه أمره، وطلب منه المعونة، وفي هذا ما يكفي لتثبيت قلبه وإدخال السكينة عليه، كما كان آباؤه وأجداده من قبل، ولو أن هذا الشاب حاول أن يعالج أمره بقراءة القرآن لوجد فيه شفاء لقلبه، قال تعالى : {قل هو للذين آمنوا هدًى وشفاء}(فصلت : 44) ولو قارن ذلك بالصلاة لاستقام وصلح حاله، قال تعالى : {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}(العنكبوت : 45).

إن التربية الإسلامية لها مفعولها الكبير في استقامة المرء، ولكن مع الأسف لم يعد لها في بيوتنا -إلا من رحم الله- ومدارسنا ومعاهدنا نفس المقام الذي كان لها من قبل، إن ترسيخ  العقيدة الدينية في نفوس التلاميذ والطلاب أجدى من تلقينهم أو حشو آذهانهم بالمعلومات الدنيوية التي لا تكفي وحدها غذاء للروح وشفاء للنفس، فلا خير في علم لا يسانده إيمان، ولا يقوم على أساس من الأخلاق، فالعلم والدين توأمان متلازمان لا يمكن أن ينفصل أحدهما عن الآخر، فعلى الأمة أن تُولي التعليم الديني قسطاً من العناية أكبر مما تسير عليه الوزارة في المناهج الحالية، وأن تفرض هذه المادة فرضاً في المدارس في مختلف مراحل الدراسة وحتى الجامعية منها، وعلى أن تعتبر من المواد الأساسية في نجاح التلاميذ والطلاب، لأن التربية الإسلامية أساسية في حياة الإنسان، ففاقد التربية السوية قد يتحول إلى مشكلة وخطر على نفسه ومجتمعه، فوزارة التعليم هي الجهة -بعد الأسرة- المسؤولة والمؤثرة في تربية الشباب عليها أن تتخذ كل الوسائل لحماية شباب المسلمين من الانحراف والسقوط، وذلك بتربيتهم تربية دينية وتوجيههم الوجهة الصحيحة، بجعل المناهج الدراسية مطابقة لعقيدة الأمة ومرجعيتها الإسلامية، وعلى وسائل الإعلام أن تهتم بالناحية الدينية، فإن القسط المخصص لهذه الناحية ليس كافياً في الوقت الحاضر، إذ أن الاقتصار -مثلاً- على تلاوة القرآن في بداية البرامج -الإذاعية والتلفزية- ونهايتها ولفترة قصيرة جداً لا تتجاوز عشر دقائق أو ربع ساعة، أمر لا جدوى منه، أما باقي البرامج الدينية فإنها تمر بنا مر السحاب.

إننا في حاجة إلى معالجة مشكلات الشباب بكيفية علمية منظمة، يجب ألا نقتصر على مجرد إسداء النصح من جانب الكبار للصغار، لأن ذلك سيكون بمثابة الخطب المنبرية التي لا شك في أن لها تأثيراً طيباً ولكنه محدود، وإنما يجب أن نتيح للشباب الفرصة لكي يتحدث عن نفسه وعن مشاكله، وأن إصلاح شباب اليوم يقتضي في بعض الأحوال إصلاح أمر الجيل القديم نفسه، أي نوعية الآباء والأمهات والأسرة كلها، لأن توجيه دعوة الإصلاح إلى الفتيات والفتيان قد يؤدي إلى تمزقهم النفسي إذا ما وجدوا آباءهم وأمهاتهم وعائلاتهم يسيرون على نهج مخالف، فكيف يمكن أن نأمر الشباب بالصلاة وقراءة القرآن والتزام اللباس الشرعي بالنسبة للفتيات، والآباء لا يصلون والأمهات لا يلتزمن بلبس الحجاب، أو كيف ننهى الشباب عن الابتعاد عن تناول المخدرات والدخان ونحن نفعل ذلك أمامهم، فلا شك إذن في أن الدعوة الإصلاحية يجب أن نخاطب بها الآباء والأمهات، ونخاطب بها الأسرة بصفة عامة، ولا تقتصر على الشباب وحده.

إن شبابنا بخير -والحمد لله- رغم ما يقال ويحكى، فإن هذه كلها أمور عارضة، لا تلبث أن تزول عندما يواجه الشباب مسؤولياته بصورة عملية، إن شبابنا يدرك  تماماً أن السعادة ليست في توفير وسائل المعيشة والرفاهية بالطرق العلمية الحديثة فحسب بل يدرك أن السعادة سعادتان : سعادة مادية يمنحها العلم بوسائله المختلفة، وسعادة نفسية يمنحها الإيمان، وهذه السعادة النفسية هي السعادة الحقة، ولا حياة للإنسان المسلم بصفة خاصة إلا بها، فكنوز الأرض جميعاً لا قيمة لها إذا كان القلب فارغاً من الإيمان، قال تعالى : {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}(الرعد : 28).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>