التواد هو التواصل الجالب للمحبة، وهو من الصفات المركزية في الجسد بنص الحديث الشريف، وهو من حقوق الأخوة الإسلامية.
ومعلوم أن الأخوة الإسلامية هي أخوة في الدين وهي أعلى من الأخوة في الطين، يقول عز وجل: {إنما المؤمنون إخوة}(الحجرات : 10)، ويقول تعالى: {واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}(آل عمران : 103)، ويقول سبحانه: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض}(الأنفال : 73)، ويقول : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))(رواه البخاري ومسلم) ويقول كذلك: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم))(رواه مسلم)
فالمحبة متلازمة مع الأخوة، والمحبة والأخوة يحققها:
التواصل، والتزاور، والتهادي، والتآزر..وتجنب الظلم والشتم… يقـول :
> ((تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدور))أي غشه ووسواسه(رواه الترمذي).
> ويقول أيضا: ((ثلاث يصفين لك ود أخيك : أن تسلم عليه أولا إذا لقيته، وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه))(رواه أبوا داود)
فيجب أن يسود الجماعة الجسد، ما يسود الإخوة الموفقين.
وأهم عناصر الإخاء:الحب، والمساواة، والتعاون على الخير في السراء والضراء.
فإذا رأيت إخوة غير متحابين، فقد دخل عليهم أمر أفسد ما بينهم.
وإذا رأيتهم يفاخر بعضهم بعضا بجاهه، و يكاثر بماله، ويتعالى عليه بمنصبه، فهو شذوذ لا يجري عليه أمر الأخوة.
وإذا رأيتهم يتثاقل بعضهم عن بعض في المعونة، فاعلم أن أواصر القلوب متقطعة.
يقول محمد الغزالي رحمه الله : “عندما يشعر المرء بوجود الله في كل شي ويعيش في جو من أسمائه الحسنى، ويتابع نعمه الهامية -السائلة والمنتشرة- في كل أفق، ويرى آثار عظمته على امتداد الأرض والسماء فهو محب لله، وعندما يرمق البشر في ضوء هذه العلاقة ويحس بقرابة نفسية وفكرية تشده إلى المؤمنين وتبغضه في الظلمة والماجنين فهو يحب في الله ويكره لله”(“سيدتي”عدد:790:ص77)
إن الناس تقارب بينهم أو تباعد أسباب كثيرة مادية و أدبية، ومنازلهم عند الله بقدر حبهم له وحبهم فيه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته -في طريقه- ملكا، فلما أتى عليه قال :
أين تريد؟
قال : أريد أخا لي في هذه القرية، قال:
هل لك عليه من نعمة تربها-تقوم بها وتنميها-؟
قال:لا، غير أني أحببته في الله تعالى!
قال له الملك فإني رسول الله إليك : بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)).
وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله قال:”دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا، وإذا الناس معه -فكأنه تساءل عنه- فقيل :
هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه فسلمت عليه ثم قلت:
والله إني لأحبك لله. فقال:
آلله؟ فقلت : آلله، فقال مرة أخرى: آلله؟ فقلت: آلله! يريد أن يستيقن من أن الله سبحانه محور هذه العاطفة.
قال أبو إدريس فأخذني بحبوة ردائي فجذبني إليه. فقال:أبشر فإني سمعت رسول الله يقول :((قال الله تعالى : وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتبادلين في))(رواه مالك بن انس).
والله تبارك اسمه لا يمنح محبته إلا لأناس عرفوه حق معرفته وآثروه على منفعة، وتعاونوا على نصرة اسمه وإعلاء كلمته وإعزاز دينه وتقديم حقه على كل حق.
فلا يوجد أخس ولا أوضع من رجل يتملق آخر لدنيا يصيبها أو يبتسم له لمصلحة يرجوها، فهذه صداقات رخيصة لا ثمن لها و لا وزن.. أما الذين يهشون لرؤية مؤمن مجاهد، ويتعصبون له إذا انفض النفعيون عنه فهم المؤمنون حقا، الجديرون بحب الله ومثوبته. ولذلك قال في وصف الأنصار: ((لا يحبهم إلا مؤمن و لا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله)).
وجاء في الحديث القدسي قال الله عز وجل : ((المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء))(رواه الترمذي عن معاذ)
والحق أن الإسلام في نهضته الأولى قام على هذه العاطفة الشريفة الطهور، فلم تعرف الأرض أخوة أوثق ولا أعرق مما قام بين أصحاب محمد ، و لم تعرف تآخيا في الله وإعزازا للحق وتضحية في سبيله مثلما عرف عن أصحاب محمد . وتأمل في قوله عليه الصلاة والسلام: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، و أن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يقذف في النار))(متفق عليه)
عندما يكون حب الله والحب فيه أساس السلوك فلا تنهزم عقيدة أو تخذل فضيلة أو تسقط للحق راية، لكن عندما يكون جانب الله آخر ما يفكر فيه فسيعربد الباطل في الأرض لا يخشى شيئا.
ولذلك قال الله تعالى: {قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم وأزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}(التوبة : 24)
فجسد الجماعة المؤمنة يكسب مناعتة الصحية والحيوية بهذا الحب الذي يؤلف بين الأرواح ويجمع بين القلوب، ((فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)) أو كما قال .
والحرص على تنميته يزيد الجسد صلابة وقوة. فقد عرف عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان ينمي عاطفة الحب في الله ويصل بين أطرافها لترسخ وتبقى.
فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان جالسا عنده. فمر رجل آخر فقال الرجل : يا رسول الله؛ إني أحب هذا، فقال له النبي: أأعلمته؟ قال : لا! قال أعلمه! فلحقه فقال : إني أحبك في الله، فرد عليه قائلا : “أحبك الذي أحببتني له”.
ويستفاد مما سبق ضرورة التحاب في الله والتواصل في الله والتباذل في الله لما في ذلك من جمع الصف، وتوحيد الكلمة، وتأليف القلوب..