هل أنت أحمق يا أبي؟


قدر الله تعالى أن أحضر عقيقة لأحد الأصدقاء، فكان جمعاً مباركا تُلِيَتْ فيه آيات مباركة من كتاب الله عز وجل، وتناول أحد الأساتذة درساً حول تربية الأبناء عملا بقاعدة : ((المناسبة شرط)) مادمنا في مناسبة ازدان فيها فراش صاحبنا ببنتين توأمتين.

جال بنا صاحب الدرس في آىات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وركز  على الحديث الشريف الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم : ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه…)) ليخلص في الأخير إلى أن المسؤولية وإن كانت مشتركة فإن نصيب الوالدين منها وافر، ثم ليفسح المجال للحاضرين حتى يغنوا الموضوع أكثر. وأخذت المداخلات تترى وكأن القوم يريدون التنصل من المسؤولية، وإرجاعها إلى فساد المجتمع، والشارع والإعلام والمدرسة والجامعة والمعهد والنادي.. وشاع نوع من الفوضى بسبب حساسية الموضوع لأن الناس على اختلاف مستوياتهم يعانون من صعوبة التربية السليمة في هذا الزمان، فلم يكن إلا أن اتفقوا على أن الأمر صعب، وأن الزمام قد أفلت من اليد، وبهذه الروح المنهزمة يبقى حال أبنائنا على ما هو عليه، ولا سبيل للعلاج مادامت المؤثرات الخارجية أقوى من سلطة الأبوين داخل البيت.

هذا الحوار أثار حفيظة أحد الأساتذة في محاولة أراد من خلالها رد الاعتبار لسلطة الوالدين من جهة، وتحميلهم المسؤولية من جهة أخرى، فركز على أن الوالدين يتحملان المسؤولية في أعلى مستوياتها وخصوصاً الأب، ولم يسمح بتبرير العجز والتقصير الذي يؤدي إلى اتهام العوامل الخارجية. وعزز كلامه بقصة أب مع ابنتيه، أما كبراهن فإن أباها لم يعرف حكم الله تعالى في حجاب المرأة إلا بعد أن كبرت وبلغت سن الرشد، فحاول أن يقنعها بالتزام اللباس الشرعي، غير أن محاولاته باءت بالفشل لأن البنت نشأت متبرجة ولم ترضع معاني الحشمة خلال مراحل النمو، فكان أن قالت له بعدما نصحها بالحجاب : هل أنت أحمق يا أبي؟

وصدق الشاعر إذ يقول :

وينشـــأ نـــــاشئ الفتيان فينا     ***     على مـــا كــــان عـــوده أبــــوه

هذا الرد أثر في الأب أثراً  عميقاً، وأدرك أن التربية فاتته، وأنه عبثا يحاول مع من كبرت متبرجة سافرة.

ورزقه الله تعالى ببنت أخرى فأراد أن يستفيد من الدرس الأول، وأخذ ينشئها على الحياء والحشمة واللباس الساتر منذ الصغر، كبرت البنت بحجابها الشرعي ولباسها المحتشم والتزامها بشرع ربها لأنها رضعته مع حليب الأم وتوجيهات الأب الذي شعر بمسؤولية المحافظة على فطرة المولود ذكراً كان أو أنثى، وأنه سبحانه وتعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟

وفي يوم شديد الحر كان الأب جالساً في البيت وإذا البنت الكبرى تدخل عليه بلباسها الذي تعودته، ملابس رقيقة، وشعر عار، وأطراف مكشوفة، والحجة شدة الحر، بينما الصغرى لا يظهر منها إلا الوجه والكفان، فقال الأب للصغرى : لماذا لا تفعلين مثل أختك وتخففي عنك من هذا اللباس والجو حار؟ فقالت : هل أنت أحمق يا أبي؟ لسان حالها يقول {قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون}.

لتحكم هي الأخرى على أبيها بفقدان العقل، إن كان حقاً يقصد ما يقول، ولكنه كان يريد أن يمتحن ابنته فنجحت، وكان أعقل من عاقل، وأرسل رسالة  إلى كل أحمق يترك بناته عاريات سافرات. {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون}.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>