تكريم المرأة : أما وأختا زوجة وبنتا


ذ. أحمد الادريسي

ظل الاستعمار ولازال يلهث للكيد للإسلام ومعه المستشرقون والمبشرون وكتاب الغرب والمتغربون بأقلامهم المغموسة في مداد الغيظ والحقد على الإسلام والمسلمين، وبذلوا كل ما في وسعهم للنيل من مكانة المرأة وشرفها وصورة المرأة وعرضها وقيمة المرأة وعزتها يستغلون ويوظفون الغافلين والمغفلين، ويتعاونون معهم لتشويه صورة الإسلام، واتهامه بالتقصير في حق المرأة، واحتقارها واستعبادها.

لكن الحقيقة هي أن الإسلام كرم المرأة والرجل معا، قال تعالى : {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}(الإسراء : 70).

فالإسلام إذا نظر إلى المرأة وخاطبها، فهو ينظر إليها من حيث هي أم أو من حيث هي زوجة، أو من حيث هي ابنة، أو من حيث هي أخت، إلى غير ذلك من الحيثيات التي تعطيها الهيبة والاحترام والتقدير من قبل الجميع، وللمرأة في كل حالة من هذه الحالات حقوق، وعليها واجبات، يجب أن تؤدى على وجهها لتكون الأسرة سليمة هادئة مطمئنة، ويسلم المجتمع من الأمراض التي نعيشها.

المرأة الأم

أوصى الإسلام باحترام الوالدين والإحسان إليهما أكثر من غيرهما، فقال عز وجل : {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}(النساء : 36)، كما أثنى القرآن الكريم على الأم وبين جهدها وصبرها وتحملها عناء الحمل والرضاع والتربية فقال عز وجل : {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً}(الأحقاف : 15).

وقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأم على الأب في الإحسان والإكرام ثلاث درجات، فقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال : ثم أبوك))(رواه البخاري).

المرأة الزوج

لا تتزوج المرأة إلا بإذنها ورضاها ورغبتها فيمن تتزوج، ولا تكره على الزواج بمن لا تريده شريكا لحياتها، فقد روى البخاري عن خنساء بنت جذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها))(رواه البخاري).

وفرض الإسلام على الرجل المهر، يدفعه لمن يريد الزواج بها، إعزازا وإكراما وإشعارا بالرغبة والمحبة والتضحية في سبيلها، قال تعالى : {فما استمتعتم بهن فآتوهن أجورهن فريضة}(النساء : 24).

ومن أهداف الزواج وإشهاره إعزاز المرأة وحسن تقديرها، والمحافظة على الأعراض والأنساب التي لا يتكون مجتمع فاضل إلا بالمحافظة عليها، ولا توجد أسر نبيلة طاهرة الأعراف، معروفة الحسب والنسب إلا بالمحافظة عليها.

وأوصى نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم باختيار ذات الدين، وعدم الانخداع بالجمال والمال والحسب إن كانت غير مصحوبة بالدين، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))(رواه البخاري).

كما نبه عليه السلام المرأة إلى اختيار صاحب الدين والخلق الحسن فقال صلى الله عليه وسلم : ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه))(رواه البخاري). وبذلك تكون الثقة متبادلة، ورابطة المحبة قوية، ويعيشان حياة تكامل وتكافل، فلا عبودية ولا استعباد، ولا بغي ولا عدوان، فتصلح الأسرة الخلية الأولى واللبنة الأساس في المجتمع.

وجعل الإسلام هدف الزوجية معاني إنسانية : السكن والرحمة والمودة، قال تعالى : {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}(الروم : 21).

المرأة البنت

أوجب الإسلام للبنت مثل ما للولد من حسن التربية والرعاية والتنشئة الصالحة، وحذر من تفضيل الابن عليها في الهبة والتعامل، بل الأكثر من ذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن الأب الذي يربي بناته ويحسن معاملتهن وتأديبهن فإنهن يكن سببا في دخوله الجنة وعتقه من النار، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له سترا من النار))(رواه البخاري).

وهناك أمور تبين بجلاء بعد نظر المرأة المسلمة، وأنها بلغت مبلغا عظيما من الذكاء، مما يدل على ما تستحقه من مكانة عالية ومنزلة رفيعة؛ أوصت صغيرة أباها حين رأته يبالغ في السرف ولا يعمل حسابا لغده فحذرته مغبة الإسراف وعواقبه الوخيمة، قالت : ((حبس المال يا أبتاه أنفع للعيال من بذل الوجه في السؤال، فقد قل النوال وكثر النجال، وقد أتلفت الصارف والتالد، وبقيت تطلب ما في أيدي العباد، ومن لم يحفظ ما ينفعه أوشك أن يسعى فيما يضره)).

المرأة الأخت

أوجب الإسلام على الأخ إكرام أخته ورعايتها ومساعدتها على الزواج بمن ترغب فيه بعد الترشيد والنصح، فهي على مسؤوليته ما بقيت عنده، وسيسأل عنها غدا يوم القيامة كما يسأل عن أهله وولده.

وأوجب لها معه ميراثا من قريبهما إذا توفي، وحرم عليه أكل شيء من نصيبها، فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل، وميراثها على النصف من ميراث أخيها، لأنه سيدفع المهر إذا تزوج، وعليه نفقة أسرته، أما هي فستأخذ مهرا إذا تزوجت، وتكون في عنق زوج مكلف بالإنفاق عليها.

المرأة

حرر الإسلام المرأة ورد لها اعتبارها وكرامتها، فأصبحت تشارك الرجل في الحقوق والواجبات إلا في أشياء قليلة يقتضيها الفرق الواضح المسلم بين طبيعة الرجل وطبيعة المرأة.

عرفت المرأة المسلمة عبر التاريخ بشجاعتها وأدبها وعلمها ومساهمتها في بناء المجتمعات الفاضلة، وفي مقابل ذلك أمرها بالقيم الفاضلة والأخلاق الحميدة، من عفة وحياء وكرامة وإنسانية ورحمة وأمانة ووفاء، لذا يجب ألا تتعلق بما وصلت إليه المرأة في المجتمعات الغربية من تخلف للقيم الإنسانية في حياتها وحياة الأسرة وحياة المجتمع الغربي كله، وهذا التخلف يعني سيادة الاتجاه المادي في حياة الناس وتعاملهم وإيثار الجانب البدني والمتعة المادية في حياتهم على المعاني الإنسانية التي تحفظ لهم مستواهم الإنساني.

والمرأة المسلمة في يوم الناس هذا يجب ألا تشكو من شريعة الله في تحريمها لكل مظاهر الفساد والاختلاط والشبهة وطغيان الجانب المادي، لأن شريعة الله تريد للمرأة مستوى إنسانيا كريما يقوم على توفير الاعتبار البشري ويريد لها أن تحفظ :

1- أنوثتها التي هي العامل الأول في لقاء الرجل بها والسعي إليها.

2- قيامها بالمشاركة البناءة في حياة زوجية تنشد الاستقرار والمودة والرحمة.

3- حرصها على دور الأمومة وعنياتها بالطفل في مرحلته المبكرة خاصة.

خاتمة

إذا كان أكثر أعداء الإسلام يعلمون أن الإسلام رفع شأن القيم العليا في حياة الإنسان ذكرا كان أو أنثى، وحرم عددا من العادات التي تهين المرأة وتذلها فرد لها كرامتها لذلك يكيدون له، وحاولوا إبعاد أبنائه وبناته عن تعاليمه، ويغرونهم بالمفاتن والملاهي، ليفسدوا طباعهم وأخلاقهم، فتخلت الأم والزوجة والبنت والأخت عن دورها، وآلت الأوضاع إلى ما نحن فيه، والمسؤولية يتحملها الجميع كل حسب موقعه.

نسأل الله أن يردنا إلى دينه ردا جميلا وأن يهدينا إلى سواء السبيل، آمين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>