الوظيفة التربوية


د. أم سلمى

في خضم ما نشاهده من التدني الأخلاقي في مجتمعاتنا الإسلامية، و ما نلمسه من ضعف القيم الإنسانية المشكلة لأنماط السلوك البشري المتزن والسوي، يبرز سؤال تربوي عميق، يتمثل في القدرة على استيعاب دور التربية السليمة في تكوين أفراد يتميزون بشخصية سليمة. ودور المجتمع (الأسرة، المدرسة…) في ذلك. ولعل الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتأثر بكل ما يحيط به، ليؤثر بدوره فيما حوله. ومن هنا تعد التربية من أهم مشكلات الشخصية، وأبرز محددات السلوك الإنساني. ولما كان الإنسان ينشأ في وسط الأسرة، فإن وظيفتها في البناء والتربية والتوجيه وظيفة خطيرة تتمثل في اعتبارها المؤثر الأول لتلقي أساسيات القيم والمفاهيم. ففي مرحلة الطفولة، تكون الأسرة هي الحاضن الذي يوجه نحو أنماط من التفكير والسلوك، سواء من خلال التوجيه والتربية أو من خلال التقليد والملاحظة، فتتنامى قدرات الطفل العقلية والإدراكية وملكاته اللغوية، ويكتسب قيما وعادات تحدد شخصيته المستقبلية، وطبيعة سلوكه وميولاته وتوجهاته. وإذا كانت للأسرة هذه الوظيفة الخطيرة، فإن إعداد المرأة الأم التي تؤدي وظيفتها التربوية السليمة يشكل مسؤولية عظيمة، ويعتبر لبنة من أهم اللبنات في نهضة الأمة ككل، ينتج عنها إشاعة القيم الإنسانية، وتعزيز الانتماء الديني والاجتماعي لدى أفراد المجتمع في سياق التواصل الحضاري والإنساني. ومن الثابت  أن الإنسان يولد صفحة بيضاء، خالية من أي اتجاه أو تشكل للذات، وإنما يحمل الاستعداد لتلقي العلوم والمعارف وتكوين الشخصية والتشكل وفق خط سلوكي معين.لذا نجد القرآن الكريم يخاطب الإنسان بهذه الحقيقة، يقول تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}(النحل :78). ولما كانت الأم هي الحضن الذي يتربى فيه الطفل، فإنها أول من تخط على صفحته ما تريد. وهذا يؤكد أن المرأة لا تستطيع  تأدية وظيفتها التربوية، ما لم تكن مؤهلة أخلاقيا وسلوكيا لذلك،  وما لم تكن واعية وعيا تاما بخطورة مسؤوليتها في إعداد الفرد، وانعكاس ذلك على صلاحه وصلاح الأمة، ثم سعيها الجاد والدؤوب نحو تزويد أبنائها بما يحافظ على فطرتهم النقية، وتنمية مواهبهم ومؤهلاتهم ، وتوجيه هذه الفطرة والمؤهلات نحو الصلاح، ولن يتأتى لها ذلك على وجهه الأكمل سوى عن طريق مراقبة سلوكها، وانضباطها ومجاهدتها في تفعيل القيم الإنسانية في ممارساتها ومعاملاتها، وعن مواصلة دعم حصيلتها العلمية الشرعية؛ إذ أن جزءاً من وظيفتها التربوية تقوم بتشكيل عقيدة أبنائها ومراقبتها، وتعديل أي خلل يطرأ عليها.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>