ذ. محمد البويسفي
ما يقع في غزة الأبية من قتل وتدمير صهيوني للغزيين غاية في الوحشية، وغاية في الهمجية، الغرض منه تركيع المقاومة والقضاء على حماس التي رفضت الدخول في مهزلة المفاوضات الاستسلامية ورفع الراية البيضاء وبيع الأرض، مقابل امتيازات شخصية.
الصهاينة والإدارة الأمريكية أرادوا القضاء على فكرة المقاومة وفرض الخضوع والركوع امام جبروت القوة العسكرية الإسرائيلية، والانقياد للهيمنة الأمريكية.. في إطار ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.
لكن صمود المقاومة هناك وإصرارها على المواجهة رغم عدم توازن القوى أربك العدو، وأثبت أن المعارك الحقيقية هي معارك الإرادات والعزائم، وأن أسباب النصر ليست دائما مادية، ولكن : قضية وإرادة ومنهج صحيح في إدارة المعارك.
فقد حققت المقاومة في فلسطين ما لم تحققه الجيوش العربية جمعاء في حروبها ضد إسرائيل.
كانت إسرائيل تتوسع بعد كل مواجهة ضد الجيوش العربية، والآن تنسحب من قطاع غزة بعد جنوب لبنان إثر مواجهة المقاومة.
ذلك أن المقاومة قامت بنقلة نوعية في مواجهة العدومن قبل كانت المعارك تدور خارج فلسطين المحتلة، إما في مصر أوسورية أولبنان، والنتيجة تدمير مدن وقرى تلك الدول، وجنود العدوينفضون أيديهم ويعودون إلى إسرائيل التي لم تمس بسوء. بمعنى أن المعارك كانت تدار خارج الميدان الذي ينبغي أن تكون فيه. والآن قصفت اسديروت وعسقلان..؟بحيث لم يعد أحد في إسرائيل يأمن على حياته، لقد فقد الأمن والأمان في إسرائيل، وصار المستوطنون اليهود معنيون بتكاليف الحرب، واستقر الرعب في أنفسهم، وصارت المستشفيات في إسرائيل تستقبل المنهارين عصبيا والمغشي عليهم من الخوف، وهذه الحالات غير موجودة في فلسطين. وهذا يكشف عن طينة الشعوب ومعادنها.
وإسرائيل الآن تريد تركيع الشعوب العربية بعد أن ركعت أنظمتها، وذلك من خلال قتل المدنيين الأبرياء بشكل همجي، تريد أن تنزع روح الممانعة والمقاومة من الشعوب، تريد أن تهزم الإرادة وتزعزع الثقة في النفس والأمل في إمكانية الانتصار على إسرائيل وهذا سر التدمير الهائل للأحياء السكنية وهدم البيوت على ساكنيها، تريد أن تقنع الشعوب بان ثمن احتضان المقاومة باهض جدا، ولا جدوى لها بما تجلبه من تدمير وقتل للمدنيين حتى تنفض يدها وتتبرأ منها وما قيمة المقاومة بدون غطاء شعبي لها؟ إنها لا شيء.
لكن ما أثبتته التجربة انه كلما كثر القتل والجرح والتدمير في أوساط الشعب، كلما أصبح ذلك شيأ مألوفا لدى الناس، وقد شاهدنا جميعا أطفال فلسطين وهم يتسلقون أعتى دبابة في المنطقة: دبابة “مركافا” وقد صار صوت الرصاص وصور القتلى والجرحى والمنازل المدمرة شيئا مألوفا عندهم، ويكفي أن نشاهد الأطفال يواجهون بالحجارة الجنود اليهود المدججين بالرشاشات والأسلحة.
بل هناك وعي متنام لدى الناس بـأن إسرائيل تستخدم الآن كل ما تملك وآخر ما تملك من أسلحة متطورة جدا في مواجهة المقاومة، ولم تستطيع كسر شوكتها ولا النيل من إرادتها.
والمقاومون يقولون مما سنخشى؟ إسرائيل تضرب بكل ما أوتيت من قوة، وليس لديها سلاح لم تظهره بعد، قد جربت كل شيء، لكننا لم نستعمل آخر الأسلحة. ما بأيدينا من أسلحة بدائية لكنها في تطور مستمر، وهناك مفاجآت في المستقبل، وهذا ما يرعب العدو.
المقاومة تركن إلى خزان شعبي لا ينفذ من طاقات بشرية، ومن حق طبيعي وشرعي في الدفاع عن الأرض والإنسان.. في الدفاع عن الكرامة المستباحة، وهذا مستمر ما دام الاحتلال قائما.
أما الأنظمة العربية فقد فقد كثير منها المصداقية وتخلى عن وظيفته في حماية مواطنيه وأراضيه، وصارت تنفذ أجندة أمريكية في الوطن العربي، وتقوم بدور العمالة للأجنبي وبذلك أصبحت في وضعية اللاصلاحية أوانتهاء الصلاحية، وأي جهاز انتهت مدة صلاحيته يصبح ضارا غير نافع، وهذا ما نشاهده في هذه الأيام فعوض أن تقف الأنظمة مع شعوبها المقاومة أصبحت تقف إلى جانب العدو وتتبرأ من المقاومة، بل وتحملها المسؤولية عما يحدث وكأن المقاومة هي الظالمة والعدوالإسرائيلي هوالمظلوم. والغريب في الأمر أن مواقف بعض الدول الغربية الموالية لإسرائيل أكثر وطنية وأكثر إنصافا من الأنظمة العربية، وكان جدير بها إذ تخلت عن نصرة شعوبها أن تقف في الحياد ولا تقف إلى جانب إسرائيل.
لقد نجحت المقاومة في غزة المحاصرة والمدمرة في رد العدوان، وفي إسقاط منطق الجيش الذي لا يقهر، وأنه ليس بالخبز وحده يعيش الناس، وأن الكرامة فوق كل شيء، وان الموت بحد السيف في عزة أفضل من العيش تحت قهر ضربات السياط في ذل.
اِبحث عن الموت توهب لك الحياة..هذا هومنطق المقاومة في غزة.