قال تعالى : {هل أتاك حديث الغاشية، وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع}(الغاشية : 1- 7).
لا يكفي أن تسير في الطريق، بل يجب أن تعرف -قبل المسير- كل شيء عن الطريق! وأوجب الواجبات أن تعرف إلى أين يوصلك هذا الطريق.. وإلا فإنك ستخطئ غايتك، وتَضيع بغيتك، حينها ستندم ولات حين مندم!
افتح عينيك الآن ترى عجبا : أناساً كثيرين، وأمماً متعددة وشعوباً مختلفة… تسير وتسير ولكن في الطريق الخطأ…
كم قرأنا ومازلنا، وكم رأينا وسمعنا عن جماعات السير إلى الله.. التي لا تسير إلى الله، لأنها أخطأت الطريق، فهلكت وأهلكت، وفسدت وأفسدت..
أما أنت فهذا صراط ربك مستقيما أمامك، وهذا هدي نبيك الكريم بين يديك. إنه الوحي الحق يهدي من ضل، ويرشد من حار، ويوصل السائرين إلى الله إلى غايتهم، ويحقق لهم بغيتهم {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
من أخطأ هذا الطريق ضل، ومن خرج عنه هلك، {فماذا بعد الحق إلا الضلال}.
كم من الناس يتقربون إلى الله بأوقاتهم وبأموالهم وبأنفسهم، لكنهم لا يزدادون من الله إلا بعدا..
أتدري لماذا؟ لأنهم أخطؤوا الطريق، وساروا في الاتجاه الممنوع، فكانت النتيجة سيئة، بل مدمرة مهلكة…
الطريق أمامك واضحة، والسبيل الحقة بين يديك ظاهرة.. فإياك أن تنحرف عنها فتهلك، إياك أن تزيغ عنها فتخسر دنياك وآخرتك… وتأمل هذا المثل الذي أقدمه لك واجعل منه عبرة لك :
روي عن الحسن قال : لما قدم عمر بن الخطاب ] الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل (يابس الجلد، سيء الحال من كثرة العبادة) عليه سواد، فلما رآه عمر بكى، فقال له : يا أمير المؤمنين ما يبكيك؟ قال : هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه، ورجا رجاء فأخطأه، وقرأ قول الله تعالى : {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة}<(1)، وعن أبي عمر الجوني قال : مر عمر بن الخطاب ] بدير راهب، قال : فناداه : ياراهب، فأشرف، قال فجعل عمر ينظر إليه ويبكي! فقيل له يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال : ذكرت قول الله عز وجل في كتابه {عاملة ناصية تصلى نارا حامية} فذاك الذي أبكاني<(2).
لقد عمل هذا المسكين، تعب كثيرا، ونَصِبَ نصبا شديدا، ظنا منه أنه سيفوز يوم الحساب، لكن هيهات هيهات، لقد أخطأ الطريق، فجاء ذليلا حقيرا، وكان إلى جهنم، النار الحامية، يصلاها ثم يصلاها…
فاللهم وفقنا للسير إليك، واجعلنا على الطريق المؤدية إليك، حتى نصل إلى مرضاتك ونكون من أهل جنانك، يا أرحم الرحمين.
—
1- الجامع لأحكام القرآن 26/20.
2- مختصر ابن كثير 632/3.