هروب المراهقين من البيوت درس لمن وعاه


يشكو عدد من الآباء هروب أبنائهم بل وبناتهم أيضا من منازلهم، ولا يعودون إليها إلا بعد أيام وربما شهور، إن لم نقل بعد أعوام، تتخللها لحظات عصيبة تتناوبها الرغبة والرهبة، الأمل واليأْسُ، الحب والكراهية، العطف والحقد، تنتهي في الغالب بعودة الفارين/المختفين لتُبْنَى الحياة من جديد، لكن على أساس هش غيْر متين مُحاطٍ بالشكوك وعدم الثقة، وتوقع الأسوأ دائما، وربما تم تبييت ما هو أسوأ.

الدوافع إلى هذا الهروب/ الاختفاء متنوعة، لكنها في معظمها تعود إلى خلل في التربية، خلل يكون وقوده إغفال الجانب الديني و ربما الاستهانة به، وعدم متابعة الطفل/أو البنت في سلوكه وعلاقاته ودراسته، ولعل من أكثر حالات الهروب/الاختفاء مأساوية هي التي يكون فيها السبب عاطفيا، وتزداد مأساويته إذا كان المختفي أنثى، وهي وإن كانت من الحالات النادرة، لكنها ليست منعدمة، حيث نسمع من حين إلى آخر حوادث من هذا النوع، من خلال البلاغات الإذاعية والصحفية التي تتحدث عن المختفين.

ولعل مما حدث لأميرة بحرينية دليل على ذلك، وهو حدث يحمل درساً مهما لمن وعاه من الآباء والأبناء معاً.

فلقد نشرت سابقا عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية نبأ أميرة من الأسرة الحاكمة في البحرين، ثم نشرت بعد ذلك خبر عودتها بعد فرار دام حوالي سبع سنوات. وقصة فرارها كما ذكرت ذلك وسائل الإعلام السابقة، أنها التقت في سنة 2000 بأحد متاجر المنامة بجندي أميركي من المارينز، ثم تكررت بعد ذلك اللقاءات بينهما في المتاجر والشواطئ دون علم الأسرة.. بعد أن علمت الأسرة بالأمر منعت الأميرة من الخروج، حينذاك قررت الأميرة الهروب مع الجندي الأمريكي، ودبّر الجندي أمر الهروب بتزويدها بلباس مجندة أمريكية، فهربت معه في طائرة عسكرية إلى أمريكا، لكن أمر الأميرة الهاربة اكتشف قبل الهبوط.

لم تجد الأميرة بدّاً من طلب اللجوء السياسي، وتزوّجت بهذا الجندي، وحملت إسم السيدة مريم جنسون، تبعا لاسم الجندي “جيسون جونسون”، بدل اسمها : مريم آل خليفة، لكن المفاجأة التي ربما لم تكن في انتظار الأميرة، ولا زوجها، هو أن هذا الزوج طرد من الخدمة العسكرية لمخالفته قواعد العمل العسكري الأمريكي، بعدها أصبح حارساً في موقف سيارات.

وطبعا من المتوقع ألا تطيق أميرة خليجية العيش في كنف زوج يعمل حارساً للسيارات، الذي لا يستطيع أن يلبي لها حاجاتها المادية، ولا هي في استطاعتها، وربما في تفكيرها أن تشتغل لتعين زوجها “الحبيب” الذي فَرّت من أجْلِه وبذلك حنت إلى حياة الرفاهية الأولى، فلجأت إلى سفارة بلدِها، وطلبت  التوسط لها في العودة إلى أسرتها، وتم لها ذلك، بعد أن طلقها زوجها الأمريكي، وعادت إلى بلدها تحمل ذل هروب دام سبع سنوات.

مأساة ما بعدها مأساة، فتاة في عمر الزهور في التاسعة عشرة من عمرها، “تعشق” جنديا أمريكيا نصرانيا، وتقرر الهروب معه دون التفكير في أي شيء، ربما إلا في احتضان فارس الأحلام الذي أتى من وراء البحار.

- لم تفكر في عقيدة الرجل، وهل يجوز الزواج به شرعاً أو لا يجوز، ولا يمكن القول هنا أنه قد وعدها بأنه سيَعْتنق الإسلام (كما يفعل البعض من بناتنا المهاجرات حيث يتعللن بأن أزواجهن قد اعتنقوا الإسلام، أو أنهم سيعتنقونه) بل إن الجندي أعلن في مبررات الطلاق أن من أسباب الفراق اختلاف الدين والثقافة.

- لم تفكر في راتب الرجل -وهي الأميرة المدللة- ولا في رتبته العسكرية، وهل بإمكانه أن يؤمِّن لها ما أَلِفته من رفاهية، ربما لم تتأمل إلا في بزته العسكرية، وفي لونه الأشقر.

- لم تفكر في حال الأسرة بعد الهروب أو فيما سيقوله الناس، أو فيما ستنشره وسائل الإعلام وهي التي نشأت في أسرة حاكمة محافظة، نَعَمْ الحب يعمي ويصم كما يقال، ولكن ليس إلى درجة أن يصبح فيها الإنسان ينقاد إلى الجحيم، دون انتباه أو إدراك.

مثل هذا يحدث للعديد من بناتنا، وأيضا لأبنائنا، فما الأولاد الذكور بمنأى عن مذاق الذل والحيرة بعد الهروب. فهل من رجوع إلى أصول تربيتنا الإسلامية التي لا محيد عنها لاستقرار المجتمع وطمأنينة النفس؟؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>