ذة. فاطمة الفتوحي
إن لنا في قصة سيدنا موسى عليه السلام عبرة عظيمة لمن أراد أن يذكر أو أراد في العلم رسوخا!!
فرعون الطاغوت الكبير يحارب وجوده قبل وجوده، فيقتل الأبناء ويستحيي النساء، ولكن الله يشاء أن تولد هذه النسمة المباركة فيكون ما يشاء الله لا ما يشاء فرعون… فتنشأ وتترعرع في ملكه سبحانه بل في قصر عدوه وعقر داره… تحديا له أيما تحدي وكسراً لجبروته المغشوش وسلطانه المخدوع.
لا شيء في الدنيا… ولا قوة في الدنيا مهما بدت أنها “لا تقهر” يمكن أن تقف أمام قوة الله… وإرادة الله… وقدر الله!!
إننا في كتابنا العظيم نمر على أحداث تربي فينا المعنى الحقيقي لليقين بالله، ولكن نمر عليه مر الكرام… بل اللئام!!
إننا نريد أن يستقر هذا المعنى في النفوس، فتعلم أن الحق مهما حورب في الأرض، فإنه في النهاية هو الذي ينتصر. لابد لليل مهما طال أن ينجلي ولابد للصبح مهما بعُد أن ينقشع. لابد للحق أن يظهر ولابد للباطل أن يزهق.
ولكن قبل ذلك {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}(الأنبياء)… لابد من تلك المعركة… لابد من المد والجزر!! لابد من التدافع {ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}(البقرة) وهذه المعركة.. وهذا المد والجزر.. وهذه المدافعة.. يلزم لها نفوس شديدة الصلة بالله، تؤمن بأن ما أراده الله هو الذي يكون، تؤمن بأن أعداء الله أمثال الكراكيز لاحول لها ولا قوة. والقوة والغلبة للحق، لأنه قوي بالله القوي.
هذه النفوس الشديدة الصلة بالله تمثلت في سيدنا موسى عليه السلام لما كان البحر أمامه والعدو وراءه، والمعوقون والمثبطون من حوله {وقال أصحاب موسى إنا لمدركون!!} قال موسى {كلا إن معي ربي سيهدين}!! فهل نقول نحن هذا حين تزمجرُ بنا الأحداث؟! وتعصف بنا الأيام؟! هل نقول هذا في كل تفاصيل حياتنا؟! أن ندعو بالويل والثبور، وتتمزق بنا الحبال عند أول عاصفة؟
إن الله سبحانه وتعالى يريد منا هذا الإيمان القوي… أن نقول في غمرة كل حدث {كلا إن معي ربي سيهدين}(الشعراء). قصة موسى تعلمنا أن نسكن ونطمئن إلى أقدار الله وأن نطمئن إلى حفظه ورعايته وإلى حكمته وقوته وسلطانه، وأن نحبه لأنه في النهاية لا يقدر إلا الخير!! سيدنا موسى قد ولى هاربا من جبروت فرعون وعاش طريداً وحيداً في مدين ولكنه لم يفقد إيمانه بالرحيم الودود القريب المجيب.
سيدنا موسى عليه السلام دخل السجن ظلما ولكنه لم يفقد إيمانه بالرحيم الودود القريب المجيب.. فكان جزاؤهم {والعاقبة للمتقين}.
سيدنا موسى عليه السلام قد أظهره الله على فرعون وسيدنا يوسف عليه السلام قد أصبح وزيراً للمالية بمفهوم هذا العصر!! والعاقبة للمتقين في كل زمان!! فهل نعقل هذا المعنى ويرسخ في قلوبنا وأرواحنا؟!
إن قلوبنا في حاجة إلى أن تعرف ربها كما عرفه الأنبياء الصالحون، قلوب لا تغرهم أشباه القوات مهما بدت عالية {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوث اتخذت بيتا، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}(العنكبوت).