تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال فريضة الزكاة


n291 1-10

وضع الإسلام الأسس الاقتصادية في المدينة، هذه الأسس التي كا نت ترمي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، التي كانت هدفا لبناء المجتمع الاسلامي.. فالمجتمع الذي يُبنى على أساس سليم يلزم أن تتوافر العدالة الاجتماعية بين أفراده، ولا يمكن أن يكون المجتمع سليما إذا استبد به الأغنياء أو كان في مقدورهم حرمان الفقراء، والعدالة الاجتماعية أيضا وسيلة للحب والتعاون اللذين يجب أن ينعم بهما كل مجتمع سليم.

والدين الإسلامي غني بنظمه التي تكفُل العدالة الاجتماعية بين معتنقيه، وليست نظريات فحسب، ولكنها نظريات طبقها الرسول  في المجتمع الإسلامي الأول الذي كونه فأثبتت نجاحا، وطُبقت بعده وأهم ركن من أركان الإسلام الذي يحقق العدالة الاجتماعية ركن الزكاة.

أكد علماء الاسلام، وأساتذة الإقتصاد الإسلامي أن المسلمين في حاجة إلى زيادة الوعي الديني بينهم لأداء فريضة الزكاة، وذلك عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وغيرها.. حيث يتم تبْصيرهم بمسؤوليتهم الدينية عن الزكاة.. باعتبارها ركنا مهما من أركان الدين الإسلامي الحنيف.. وذلك بعد أن ثبت أن كثيرا من المسلمين حريصون على أداء الزكاة، وتحديد المستحقين لها خاصة بعد أن انقطعت -أو كادت تنقطع- المعرفة بين الناس.

وأوضح علماء الإسلام أن الزكاة هي أول فريضة مالية في الإسلام.. وهي تستهدف القضاء على الحاجة والعَوز بين فقراء المسلمين… وأن أداء الزكاة يؤدي إلى علاج كثير من المشكلات والأمراض الاجتماعية… فالزكاة ليست إحسانا يخضع لرغبة المسلم واختياره.. وإنما هي واجبة على المسلمين في جميع المجتمعات والأوقات والدليل على قطعية وجوبها قيام أول حرْبٍ لأجل تحصيلها بعد وفاة الرسول .

وأكدوا في التحقيق أن هناك العديد من الضوابط التي تجب بها الزكاة في الإسلام.. وأن هذه الضوابط مستمدة من مصادر التشريع الاسلامي :

أهداف الزكاة :ما هو الهدف من فرض الزكاة؟

في البداية يقول “الدكتور محمد حمدي زقزوق” وزير الأوقاف المصري، ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة :

“إن من أول أهداف الزكاة خلق مجتمع متكافل.. يرقى فيه الفرد بذاته إلى توازنية تربطه بدينه و تقرّبه إلى ربه تعالى.. فالزكاة تؤخذ من أموال الأغيناء وترد إلى الفقراء.. يعيش المجتمع المسلم في طمأنينية وأمْن… وهُنا ندرك الحكمة من مشروعية الزكاة.. فقد قال رسول الله  : “بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله…”الحديث.

وأضاف : كما أن الزكاة مقترنة بالصلاة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.. يقول تعالى : {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(البقرة : 277).

وقد روي عن رسول الله  قوله : “ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أُحْْمي عليه في نار جهنم…”(رواه مسلم).

وقد ورد في سورة التوبة ما ينير الطريق، ويحدد المصارف العادلة للزكاة وهي قوله تعالى : {إنما الصدقات للقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل…} ومعنى الثمانية المذكورة في الآية مبسوطة في كتب الفقه فلا مجال لتفصيلها.

ومن المقرر إسلاميا أن الزكاة فريضة وعاؤها المال النامي.. ومن هنا نرى أن الإسلام يدفع بالأموال النقدية للتوظيف في الميدان الاقتصادي لتقوم بدورها في تنمية المجتمعات المسلمة.. ومن توجيهات الرسول  قوله : “اتجروا في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة” لأن دفع الأموال العاطلة إلى الميدان الاقتصادي يحدث أثرا طيبا في الدخل القومي الكلي للمجتمع الاسلامي.

نفهم مما سبق أن الزكاة وسيلة للقضاء على البطالة و الربا وغير ذلك من الشرور الاجتماعية.

والزكاة لم يُترك أمر جمعها ودفعها للأفراد.. إنما تقوم الدولة بجمعها وتوزيعها حسبما قرره القرآن الكريم، ونحن نعلم أن بسببها قامت أول حرب في التاريخ الإسلامي عندما حارب الخليفة الأول أبو بكر ] أهل الردة.

أبعاد مختلفة للزكاة

إن فريضة الزكاة لها أبعاد مختلفة ومهمة.. لها بُعد أخلاقي فرْدي ولذلك يقول القرآن الكريم : {خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكّيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم}(التوبة : 103).

فالذي يخرج زكاته يُنقِي نفسه من رذيلة البخل.. فالزكاة تطهير أخلاقي لنفس المزكي. وهي في نفس الوقت تطهير أخلاقي لنفس المتلقي للزكاة لأنَّها تنزع من نفسه الغل والحقد والحسد، وبالتالي يستقيم المجتمع.

إن كلا الطرفين المزكي والمتلقي له ثواب وهو مأجور من الله تعالى لأنه ينقّي نفسه من الرذائل الأخلاقية.

وهناك بعد اجتماعي معروف للزكاة ويتمثل في التكافل بين الناس والتضامن فيما بينهم ورفع الكبر عن الغير، والتعاون على الخير.

وللزكاة بُعْد ديني، ذلك أن أداء الزكاة طاعة الله عز وجل والتزام بالتعاليم الدينية التي فرضها علينا الاسلام.

والإنسان المزكي إنما يزكي من مال الله تعالى، وليس من ماله هو، فالمال مال الله والإنسان مستخلف فيه قال تعالى : {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}(الحديد : 7). ولذلك ليس للمزكي فضل على المتلقي للزكاة لأن الزكاة حق للمتلقي والله تعالى يقول : {وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}، ولذلك ليس للمزكي فضل على مُستحقها لأن الزكاة حق له فليس هناك مَنَّ، ولكن هناك التزام.

فلوْ كان المسلمون ملتزمين بهذه الفريضة التزاما تاما لم يكن بينهم فقير ولا محتاج ومن هنا وجدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إحدى جولاته في المدينة يرى شيخا يهوديا يتكفف الناس، ويسألهم أن يعطوه من مال الله، فخصص له عمر مَعَاشاً ثابتا من بيت مال المسلمين.

وإذا تمكنا من تفعيل الزكاة وتطبيقها.. بما يعيدها إلى تحقيق وظيفتها التي شرعت من أجلها فلن نجد بيتا جائعا ولا عاطلا، ولا مفسدا في الأرض ولا مرتشيا ولا سارقا ولا محروما والله تعالى يقول : {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم} الآية.

وقد حث النبي  على التكافل الاجتماعي والمالي يقول  : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (رواه مسلم) وكذلك قوله  : “ليس منا من بات شبعان وجاره جائع”.

التحايل على الزكاة

- المسألة الأولى : التهرب من دفع الزكاة :

رتب الشارع على التهرب من دفع الزكاة عقوبات دنيوية وأخروية، وهي مختلفة باختلاف قصد المتهرب من دفعها :

أولا : إذا كان التهرب عن اعتقاد سيء، يتمثل في حجود فرضية الزكاة عوقب المتهرب من الزكاة في الدنيا بقعوبة الردة وهي : القتل إذا أصر على ذلك.

وأما العقوبة الأخروية التي تلحق جاحد الزكاة، فهي البعد عن الجنة والخلود في النار لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة.

ثانيا : إذا كان التهرب عن أداء الزكاة راجعا إلى البخل والشح دون الجحود والنكران، فإن المتهرب من دفع الزكاة يعاقب بعقوبة أخروية.

- المسألة الثانية : الاحتيال لاسقاط الزكاة قبل وجوبها :

اتفق العلماء على ذم المتحايلين على اسقاط الزكاة قبل وجوبها، ولهذا ذهب المالكية والحنابلة.. إلى تحريم التحايل لإسقاط الزكاة قبل وجوبها، وإنها واجبة في ذمته مع الحيلة.. بدليل قوله تعالى : {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين}(القلم : 17 – 21) فعاقبهم الله بذلك لفرارهم من الصدقة.

- المسألة الثالثة : الاحتيال على اسقاط الزكاة بعد وجوبها :

والمراد أن المزكي قد ثبتت في ذمته الزكاة وهو مُقرّ بها، ولكنه يحرص على أن لا يدفعها كأن يسقط الدّين عن المعسر واحتسابه من الزكاة، وكأن يعطي من تلزمه نفقته مالا ويحسِبه من الزكاة، وكالاكتفاء بدفع الضريبة عن الزكاة.

وقد سئلت اللجنة الدائمة للافتاء في السعودية عن هذه المسألة فأجابت : “فرض الحكومة الضرائب على شعبها لا يُسقط الزكاة عمن ملكوا نصاب الزكاة وحال عليها الحول، فيجب عليهم إخراج الزكاة وتوزيعها في مصارفها الشرعية التي ذكرها الله في قوله : {إنما الصدقات للفقراء والمساكين..}(التوبة : 60)”.

خاتمة :

ومجمل القول، فإن الزكاة تغرس التعاطف والمودة والتراحم، وحسن الظن بين الناس، وعندما يؤديها الإنسان بإخلاص وبطاعة لله عز وجل يشعر بالراحة النفسية والسعادة والرضا، ويجدُ من المتلقي للزكاة كل حب وسعادة ومودة، وكما تغرس الزكاة في المجتمع الأمن والأمان والسلام بين الجميع.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>