أي حقيقة مرة أفقت عليها…؟!
إني وحيدة… غريبة.. ضائعة… تائهة… ضاقت بي الأرض حتى خلتها في حجم الذرة، وخلت ليلها سرمداً أبديا!
وحدي أقاوم عاصفة هوجاء، ولا سقف يحميني، ولا جدار يسندني، وعمري الغض ينوء بضعفه وهوانه…!
صارحتني أمي بالحقيقة المرة… لم تنجبني وأبي غير معروف… إني لقيطة، وما هي إلا فاعلة خير، تجشمت تربيتي وتعليمي، وتفانت في حبي…
ألححت عليها أن تعرفني على أمي الحقيقية.. حلمت بلقائها… ستحضنني.. ستعتذر.. ستعوضني حنانها… سأعفو عنها، والله عفو كريم… التمست لها العذر، فقد ترملت في ريعان شبابها.. أقنعت نفسي أنها زلت مكرهة، فكنت قدرها…!
زرناها… عرفتني من أول نظرة، لأني أشبه إخوتي الكبار منها… عظمت مصيبتي.. كانت جامدة كتمثال عابس، غضت الطرف عني.. تصيدت فرصة لقاء نظرتيْنا، وكأني أقول لها : سامحتك.. وداعا للماضي.. أنتأمي الآن…!
فكانت نظراتها تقول : لا مرحبا بك.. لِمَ عدت… أنت مجرد جثة ماض عفنت؟! تجاهلتُ إحساسي… فمهما يكن فإنها أمي، وعلي البر بها.. توددت إليها.. فلم تزدد إلاّ صدّاً لي بلا مبالاة قاسية…!
ماتت مربيتي، لأبدأ رحلة ضياع وكرب.. لم تسأل عني أمي الحقيقية.. لم تحس معاناتي.. تجاهلتْ أني جعت، وبردت، وتجرعت الحرمان حتى النخاع.. طرقت أبواب جمعيات خيرية بلا جدوى، لأن قانون الإيواء في تلك الجمعيات يستثني الفتيات اللائي بلغن الثامنة عشرة من العمر…. ولولا أقارب مربيتي، لتشردت في الشوارع!
نجحت في دراستي، فرحلت إلى جامعة.. تربص بي الحرمان وشيطانات الإنس فكدت أردى في الهاوية.. فررت إلى الله، فتلقفني برحمته وأنسه ويا له من أنس…!
أكملت دراستي الجامعية، رغم كل معاناتي،… ونجحت في معهد آخر… ويشاء الله أن يقيض لي زوجا طيبا من أسرة طيبة، لأشعر -لأول مرة في حياتي- بنشوة الانتماء إلى أسرة، وأستعذب الحياة…!
ذة. نبيلة عزوزي