واجبات المعاشرة الحسنة بالنسبة للمرأة 2
ومــن واجبـات الـمـرأة :
3) واجب الظهور بالمظهر الجميل : قال : >خَيْرُ النِّسَاء مَن تسُرُّكَ إِذَا أَبْصَرْتَ، وتُطِيعُكَ إذَا أمَرْتَ، وتَحْفَظَ غَيْبَتَكَ فِي نَفْسِهَا ومَالِك<(1) فمن حق الزوج على زوجته أن تتزيّن له وتتجمَّل، وأن تتبسَّم في وجهه، ولا تبْدُوَ في صورة يكرهها، فذلك من واجبها كما هو من حَقِّها بالنسبة لزوجها، فالأمر متبادَل.
والعجبُ كل العجب من إهمال المرأة لنفسها في بيتها بحضرة زوجها، وإِفْراطها في الاهتمام بنفسها، وإبداء زينتها عند الخروج من بيتها، حتى صَدَق فيها قولُ من قال : >قِرْدٌ في البَيْت وغَزَالٌ في الشّارِع< مع أن الله تعالى قال : {ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنّ..}(النور : 31) فاتقي الله يا أمة الله في نفسِكِ وزوجِك، فإنه أحق الناسبزينتكِ وتجمُّلك، وإياكِ وإبداء الزينة لمن لا يجُوزُ له رُؤْيَتُها، فإن ذلك من السفور المحرَّم(2).
فما أحْوجَ بناتِنا وأخواتِنا ونساءَنا وتلميذاتنا أن يُلَقَّنَّ هذا الدَّرْسَ وأن يفْقَهْنَه إسلامِيّاً وتربويّاً، وأخلاقيا، واجتماعيا، لأن المرأة هي المرأة، والرجل هو الرجل، ولكن الذي يربط بعضَهما ببعض، ويُلحِّم بينهما بأواصِر المحبة والتوادُدِ والتساكُن هو إشعارُ كُلٍٍّّ منهُما للآخر بأنه نصيبُه في الحياة الدّنيوية والأخروية، وأنه ربحُه ورأسُ ماله، وأن غيرَه لا يساوي شيئا، فيعمل كُلّ واحِدٍ على إرضاءِ الآخر، والتفتُّن في صُنع كل ما يُحِبُّ ويرضى ابتغاءَ مرضاة الله تعالى والتقرب منه بإِخراج أسرة متماسكة الحلقات، لا تُسمَعُ أنَّةٌ في طرف إلا كان صدَاها في الطرف الآخر أقوى وأشَدَّ وقعاً، وهذا تُعبِّر عنه المرأة -كالرّجل- بالمظهر الجميل، والنظرة الحانية، والكلمةالطيبة، والهدية المبتَكَرة، والمفاجآتِ السارة، إلى غير ذلك مما يجدِّد في كُلّ وقْت بواعث السعادة والرضا والاطمئنان.
4) واجب حفظ الأسرار :
قال الدكتور محمد علي الهاشمي : >والمرأة المسلمة التقية الحَصَان لا تنشُر سِرَّ زوجها، ولا تتحدِّث إلى أحدٍ بما يكون بينه وبينها من أعمال وأسرار، ذلك أن المرأة المسلمة الواعية الجادة أكبَرُ وأرْفَعُ من التدّني إلى مستوى الاستهتار والمجون والخوض في الأحاديث الرخيصة التافهة التي تكون في البيئات المتدنِّية، وإن وقتها لأثمنُ مِنْ أن يَضِيع في مِثل هذه الأعمال الوضيعة التي لا تصْدُر إلا عن الفارغين والفارغات، والتافهين والتافهات، بل هي ترْبأ بنفسها أن تكون من هذا النمط من الناس الذين وصفهم رسول الله بشَرِّ الناس في قوله : >إنَّ مِنْ شَرِّ النّاس عِند اللهِ منْزلةً يوم القِيَامَة : الرَّجُلُ يُفْضِي إلَى امْرأَتِهِ وتُفْضِي إِلَيْه، ثُمّ ينْشُرُ أحَدُهُما سِرَّ صَاحِبِه<(صحيح مسلم)<(3).
بل أكثر من ذلك عَدّها الرسول شيطاناً وشيطانة، فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها كانت عِند النبي والرجال والنساء قعود، فقال : >لعَلَّ رَجُلاً يقُولُ ما يَفْعَلُ بِأَهْلِه، ولعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِما فَعَلَتْ معَ زَوْجِهَا< فأرَمَّ القَوْمُ، فقلتُ : إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون، فقال : >فلاَ تَفْعَلُوا فإنَّمَا مَثَلُ ذلِك كمَثَلِ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانةً في طَريقٍ فَغَشِيها والنّاسُ يَنْظُرُون<(4).
والسرّ المطلوب المحافظة عليه ليس مقصوراً على ما يكون بين الزوجين، ولكنّ الأمر ينصرف إلى كل الأسرار، فقد يكون الزوج وزيراً أو شرطيا أو رجل المخابرات أو عضواً في جمعية أو هيئة أو حزب فيثق بزوجته ويحكي بعض الأسرار الداخلية للدولة أو للحزب أو للهيئة، فلا ينبغي للمرأة أنتفشي أسرار زوجها التي قد تكون خطراًعلى الزوج أو على الجهة المعنية، فإن ذلك يعتبر خيانة لأمانة السّرِّ مطلقا، ولأمانة السر الأسري أو الحزبي…
ومن هذا القبيل التنديد الشديد بما فعلته إحْدى زوجات النبي ، حيث ائْتَمَنَها النبي على سِرٍّ من أسراره الداخلية، وأوصاها بعدم افشائه(5) ولكنها نقلتْه إلى عائشة رضي الله عنها، فأخبره الله تعالى، فعاقب الرسول النساء باعتزالهن شهراً من شدة غضبه عليهن لاشتغالهن وشَغْلهِنّ الرسول عن الدّعوة بمثل هذه المكايدات النسائية، قال تعالى : {وَإذ أَسَرَّ النّبيءُ إلى بَعْض أزْوَاجِهِ حَدِيثاً فلَمَّا نَبَّأتْ بِهِ وأظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عرَّفَ بَعْضَهُ وأعْرَضَ عنْ بَعْضٍ، فَلَمّا نَبّأَهَا بِهِ قالتْ : منْ أنْبَأَكَ بِهذا؟ قال : نَبّأَنِي العَلِيمُ الخَبِيرُ}(التحريم : 3)،
ولم يقتصِرْ الأمْرُ على الإخبار بهذه الغلطة، بلإن الله تعالى هَدَّدَهما تهديداً شديداً فقال : {إنْ تَتُوبَا إلى اللَّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وإِنْ تَظَّاهَراَ عَلَيْهِ فإنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وجِبْرِيلُ وصَالِحُ المُومِنِينَ والملاَئِكَةُ بَعْد ذَلِك ظَهِيرٌ عَسَى ربُّهُ إنْ طَلَّقُكنّ أن يُبَدِّلَهُ أزْواجاً خَيْراً مِنكُنّ مُسْلِماتٍ مومِناتٍ قانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وأبْكَاراً}(التحريم : 5).
إن في هذه الحادثة تَوْجِيهًا دقيقا وبليغاً للمرأة المسلمة بقيمة حفظ المرأة سِرّ زوجها، وأَثَرَ هذا الحفظ في استقرار النفوس والضمائر والبيوت والمجتمعات.
أما بالنسبة لرسول الله فقد شاء الله تعالى أن يجعل حياة الرسول الخاصة والعامة كتابا مفتوحاً لأمته وللبشرية كلها ليتعلموا من حياته الحق من الباطل، لأن حياته ليست ملكا له، ولكنها مِلْك للعالمين.
—–
1- صحيح الجامع الصغير 3299.
2- واجبات المرأة المسلمة في ضوء القرآن والسنة 271.
3- المرأة المسلمة كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة 183.
4- صحيح الجامع الصغير 6681، ويُفهم من هذا أن اللقاء المبارك المُسَمَّى عليه الله تعالى لا تحضره الشياطين.
5- جاء في رواية البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي كان يشربُ عَسَلاً عند زينَب بنت جحش رضي الله عنها، ويمكث عندها، فأغاظ هذا المكث عائشة وحفصة رضي الله عنهما، فتواطأتا على أن تقول كل واحدة منهما إذا دخل عِندَها : إنِّي أجِدُ منك رِيحَ مَغَافِير -وهو صَمْغٌ حُلْوُ الطَّعْمِ ولكنه كريهُ الرائحة- فقال : >لاَ، ولكِنيّ كنْتُ أشْرَبُ عًسَلاً عِند زَيْنَب فلَن أعُودَ لَهُ، وقَدْ حَلَفْتُ لا تخُْبرِي أحداً بذلك< ولكن حفصة أخبرت بذلك عائشة، فهذا هو ما حرمه على نفسه إرضاءً لزوجته وهو حلال له.
ورواية أخرى لابن جرير الطبري وغيره : أن حفصة رضي الله عنها كانت غائبة عن بيتها فدَخَل رسول الله بجاريَتِه مارية القبطية ببيتها، فعندما علمتْ حفصة بذلك، قالت: لمْ تَفْعَلْ ذلك بي يا رسول الله إلا لهواني عليك، فاسترضاها بتحْريم مارِيةً على نفسه مع أنها حلالٌ له. وأمَرَها ألا تُخبر أحداً من زوجاته، ولكنها أخبرت عائشة.
كيفما كان السرُّ فحفصة كانت هي المؤتمنة عليه، وعائشة كانت هي المُخْبَرَة به.
ذ.المفضل فلواتي