المَرْأَةُ المؤدَّبَةُ في غنًى عن التَّأْديب
إن أسمى غايات الزواج المبارك هو تكوينُ أسرة ربَّانية ترفع من شأن الأمة الاسلامية حتى لا تسقُط في الغُثائية الخفيفة الوزن محليا ودوليًّا، وأسريا واجتماعيا، علميا وخُلقيا.
فربانية الأسرة هو الهدف الكبير الذي أرشدنا الله عز وجل للسَّعي من أجله، والاستعانة بالله تعالى من أجل تحقيقه، حيث علَّمنا أن نقول : {رَبَّنَا هَبْ لنا منْ أَزْوَاجنَأ وذُريَّاتنَا قُرَّةَ أَعْيُن واجْعَلْنَا للْمُتَّقينَ إمَاما}(الفرقان : 74).
فالمجال الذي تدور فيه المرأة المسلمة غير المجال الذي تدور فيه المرأة غير المسلمة لاختلاف المرجعية الضابطة للتشريع الأسري بأهدافه ووسائله وتبعاته وأخلاقه.
وأول نص مُلْزم بالمرجعية الاسلامية، في الأسرة وغيرها، قول الله تعالى {وَماكَانَ لمُومن ولا مُومنَة إذَا قَضَى اللَّه ورسُولُهُ أمْراً أن تكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فقَد ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً}(الأحزاب).
وثاني نص يُلزم بالمرجعيّة الإسلامية الخالصة وينْهَى عن خَلْطِها وإشراكها بالمرجعيّة الطاغوتية هو قول الله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ومَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أنْ يتَحَاكَمُوا إلَى الطّاغُوتِ وقَدْ أمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ الشّيْطَانُ أنْ يُضِلَّهُم ضَلاَلاً بَعِيداً}(النساء).
والنصوص الربانية المؤدّبة للمرأة تأديباً ربّانياً حتى تستغٌنِيَ عن التأديب البشري كثيرة، منها :
1) {ولَهُنّ مِثْلُ الذِي عَلَيْهِنّ بالمَعْرُوفِ وللرِّجَالِ عَلَيْهِنّ درجَة}(البقرة) مهما قيل في تفسير هذه الدرجة وتعليلها لفهم حِكمتها فإنها ستبقَى درجَةً أي درجة المسؤوليةالمعطاة للرجال بدون منازعة، ولا مناقشة للمرأة في هذه الدرجة وإلا انقلبت الأوضاع وفسدت أوضاع الأسر والمجتمعات.
2) {الرِّجَالُ قَوّامُونَ علَى النِّسَاءِ}(النساء) فالمرأة المسلمة تتزوج وهي راضية تمام الرضا بالدرجة التي وضعها الله تعالى فيها على أنها هي الدرجة الأكْرمُ والأصْوَنُ لها، والأرفقُ بها.
3) قال : >ألاَ إنّ علَى نِسَائِكُمْ حَقّاً، ولنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً، فأمّا حَقُّكُمْ علَى نِسَائِكُمْ : فَلا ىُوطِئْنَ فرْشَكُمْ من تَكْرَهُون، ولا يَأْذَنَّ في بُيُوتِكُمْ منْ تَكْرَهُون، ألاَ وحَقُهُنَّ علَيْكُم أن تُحْسِنُوا إِلَيْهِنّ في كُسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِنَّ<(رواه الترمذي) فلا حقّ للمرأة في الخروج للعمل وغيره إلا بإذن الزوج، ولا إدخال الأقارب إلا بإذن الزوج.
4) وقال : >أَىُّما امْرأةٍ ماتَتْ وزَوْجُها عَنْها رَاضٍ دَخَلَتِ الجنّة<(رواه الترمذيوالحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها) فطاعة الزوج من طاعة الله تعالى.
5) وعن معاذ بن جبل ] عن النبي قال : >لاَ تُوْذِي امْرأَةٌ زَوْجَها فِي الدُّنْيَا إلاّ قَالَتْ زَوْجَتُه مِن الحُورِ العِين : لاَ تُؤْذِيهِ قاتَلَكِ اللَّهُ ، فإنَّما هُوَ عِندكِ دَخِيلٌ يُوشِك أنْ يُفَارِقَكِ إلَيْنَا<(رواه الترمذي).
6) عن أبي هريرة ] عن النبي قال : >لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةٍ أنْ تَصُومَ -صَوم التطوع طبعا- وزَوْجُها شاهِدٌ إلاّ بإذْنِه، ولا تَأْذَن في بَيْتِه إلاّ بإِذْنه<(رواه الشيخان وغيرهما).
7) عن قيس بن سعد ] قال : أتَيتُ الحِيرة فرأيتهم يسْجُدون لمَرْزُبَان -الفارس القائد- لَهُم، فقلتُ : رسُول الله أحَقُّ بذلِك -أي السجود- فأتيتُ النبي فقلتُ له ذلك. فقال : >أرَأَىْتَ لَوْ مرَرْتَ بقَبْرِ أكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ؟! قلتُ : لا. قال: فَلا تفْعَلُوا. لَو كُنْتُ آمِراً أحداً أن يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعلَ الله لهُمْ عَليْهِنّ مِن الحَقِّ<(رواه أبو الداود والحاكم والترمذي) فالحديث يُبيّن عِظم حقوق الزوج على زوجته. أما السّجود للإنسان مهما عَظُم فهو كالسجود للميِّت المقبور، كلاهما لا يفيد، لأن السجود ينبغي أن يكون للحي الذي لا يموت، وهو الله تعالى وحده.
8) قيل يا رسول الله : أي النساء خير؟! قال : >التِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَر، وتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ، ولا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِها ولاَ مَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ<(رواه أصحاب السنن).
9) عن أبي أمامة ] عن النبي قال : >ثلاَثة لا تُجَاوِزُ صلاَتُهُم آذانَهُمْ : منهم : امْرَأَةٌ باتَتْ وزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وإِمَامُ قَوْمٍ وهُمْ لَهُ كَارِهُونَ<(الترمذي وأبو داود).
10) عن معاوية القسْيري ]، قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟! قال : >تُطْعِمُها إذَا طَعِمْتَ، وتكْسُوها إذَا اكْتَسَيْت، ولا تضْرِبْ الوَجْهَ، ولاَ تُقَبِّحْ، ولا تهْجُرْ إلاَّ فِي البَيْتِ<(رواه أبو داود والنسائي).
هذه مجرّد عيِّنةِ بسيطة من الآداب التي يجبُ أن تتشَبَّعَ بها المرأة المسلمةُ، وتتأدَّبَ بها أدباً إيمانِيّاً عميقا مصْدَرُه الله تعالى العليم الحكيم، واللطيف الخبير، فهل التي تأدّبتْ بهذا الأدب الرباني مخبَراً ومظهراً يُمْكن أن تترك للزوج سبباً يحْمِلُه على تأديبها تأديباً خفيفاً أو غليظاً خَشناً؟! إلا إذا كان ظالماً سفيها لا يُفَرِّق بين الجمرة والتمرة.
إن الرجل الذي يُدْخل رضاهُ عن زوجته الجنة، وتقول زوجتُه من الحور العين >لاَ تُؤذِيه قاتَلكِ الله< ليس كل الرّجال، وإنما هو الرجُلُ الذي يَسْبِقُ ورَعُه التقوى، ويسْبِقُ إحسانه العَدْل والإنصاف، ويكون سكوتُه أبْلغَ من كلامه، ونِظرتُه العاتبة بأدَب وذوق أبلغ من لسانه، وكَلاَمُه السائلُ رقّةً وحَنَاناً وتوجيهاً أبلغُ من صياحه وصراخه، رجلٌ يعرفُ قيمة حَسَنَةِ الدنيا التي حثَّنا الله عز وجل على طلبها صباحَ مساء {ربَّنَا آتِنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النّارِ} هل هناك جمالٌ أجْمَلُ من امْرأة تُجيد حُسْن الرعاية لبَيْتها بما يحْتويه من زوج وأولاد وأقارب وأثاثٍ، وأدواتٍ فتكفي الجميع همّ الدّاخل ليكفوهَا هَمّ الخارج. إنها باختصار حسنة الدنيا التي قال فيها الرسول >الدّنْيا كلها متاعٌ وخَيْرُ مَتَاعِها المَرْأَةُ الصّالِحَة<(رواه مسلم والنسائي) هل غيرُ المسلمة تفهَمُ منزلتها عند الله تعالى، ومنزلتها في الحياة، ومنزلتها في قلب الرجل الصالح، ومنزلتها في الأسرة؟! من أين لها أن تعرف ذلك وهي لا تعرف ربّها وربّ زوجها المسخر لها؟! وهل يعرف الزوج غير المسلم قدْر المرأة عنْد الله عز وجل ودوْرها في الحياة؟! أنَّى له ذلك وهو لا ينظر إليها إلا على أنها أنثى مسخرة لإطفاء شهواتِ نزواته، وتلبية رغباته؟! إن المسلم الحقّ هو الذي يعْرفُ قَدْر المسلمة الحقّ، والمسلمة الحق هي التي تعرف قدْر المسلم الحق، وإذا التقيا على هذا الرباط الإيماني الوثيق يستحيل أن يكون هناك خصام يؤدي إلى الضرب أو الطلاق. بل سيكون شعار الرجل الصالح في البيت الصالح :
رَأَيْتُ رجَالاً يَضْرِبُون نِسَاءَهُم
فَشُلّتْ يَمِينِي يوْمَ أضْرِبُ زَيْنَبَا
العائبون على الإسلام تشريع الضرب -أحيانا- أكثر الناس إهانة وضرباً للمرأة
كم كتب المعادون للإسلام والمعاديات للإسلام من ملة الكفر والنفاق ومن أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بلغتنا ويتنفسون هواءنا، كم أسال هؤلاء كلهم الكثير من المداد في الطعن على الإسلام وتشويهِه لكونه أباح للزوج أن يؤدب زوجته بالضرب أحيانا ضرباً غير مُبرِّحٍ ولا مُشَوِّه، ولا مُقبِّحٍ، ولا محدِثٍ عاهةً أبداً، وهؤلاء الزعماء المتحررون المدافعون عن حقوق المرأة التي داسها الإسلام -كما يزعمون- هؤلاء هُم الذين شيَّدوا السجون والمعتقلات والدهاليز السرية لإهانة كرامة الرجل والمرأة، وقتلهما تحت سياط التعذيب بدون أن يسمع لهم أثر، وهم الذين بنوا المشانق للأحرار من الرجال، وهُمْ الذين اغتصبوا النساء في المعتقلات حتى أصبحْن حاملاتٍ من سفاح السجون، وما زال هذا النوع يُمارس -مع الأسف- لحد الآن في العراق وأفغانستان وفلسطين، كما مو رس إلى وقت قريب في مسلمات صربيا وكرواتيا وألبانيا والبوسنة، وغير هذه البلدان تحت سمع وبصر الضمير الميّت للنظام العالمي الجديد الذي لا عقل له ولا قلب. ومع ما في هذه الطعون من تحامُلات مغرضةٍ فإننا لا نستطيع أن ننكر أن الجهلاء من المسلمين يتصرَّفون مع نسائهم تصرفا همجيا بعيداً عن مجرّد الإنسانية فما بالك بالانتساب للإسلام، فهؤلاء الجهلاء وإن كانوا يشوِّهون صورة الإسلام فهم ليسوا حجة عليه، ولكن الرسول الذي لم يضرب هو الحجة، وأكثرية الصحابة لم يكونوا يضطرون أبداً لضرب زوجاتهم الصالحات، وعصر الرسول والصحابة هو القدوة، أما غير ذلك فنتوءاتٌ حدثت مع الجهل الذي عَمَّ الرجال والنساء على السواء، حيث أصبحت المرأة تخاف من الرجل ولا تخاف من الله، وأصبح الرجل -لجهله- لا يعرف أمانة المرأة في يده.
ومع هذا الضجيج المُتحامل فقد أثبتت الدراسات أن المرأة في غير بلاد الإسلام تُضْربُ أكثر من المرأة في بلاد المسلمين.
فقد أثبتت الدراسات أن 79% من الأمركيين يضربون زوجاتهم، ويتعالون عَلَيْهن ويلحقُون بهن الأذى المُفضي إلى الموت أحيانا، وأثبتت الدراسة أيضا أن 17% من النساء اللواتي يدخُلْن غُرف الإسعاف هُنّ ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء.
وأثبتت الدراسات أن مائة ألف ألمانية يضربهن الرجال سنويا، وفي فرنسا تتعرض حوالي مليوني امرأة للضرب، وأنها تعامل أحيانا أقل من مستوى الحيوان، ولم تَسْلم حتى زوجات القضاة والأدباء من الضرب، وفي بريطانيا أكثر من 10% من النساء يُضْربن، بل بعضُهن أثبتت الدراسة أنهن كُبِّلْن بالسلاسل، وأحْرقن بالسجائر، وعُذِّبن بالكهرباء والإبر والأحزمة إلى غير ذلك من أنواع الأذى في مختلفِ بلاد أوروبا وأمريكا، انظر كتاب “من أجْل تحرير حقيقي للمرأة” تر العجب العجاب الذي يُلْقِمُ أفواه الطاعنين الحجَرََ، ويعلِّمُهم الحياء إن كان لهم حياء.