5- الحرص والكبر
يعالج النورسي هموما كثيرة في الإنسان كالصدق والكذب، والإخلاص والرياء، والوساوس والأوهام، وطلب المعالي والركون إلى الدعة والراحة، وغير هذه الأحوال التي تعريه، إلى مداواته.
والنورسي في الرسائل لا يغفل عن هذه الأحوال المتنوعة. ونورد هنا اختصاراً مثالا الحرص والكبر.
فما يشرح فيه صراعه مع نفسه في طريق الكشف:-
“أيها السعيد الشقي! ما هذا الغرور والغفلة والاستغناء؟ ألا ترى أن ليس لك من الاختيار إلا شعرة؟ وليس من الاقتدار إلا ذره؟ وليس من هذه الحياة إلا شعلة تنطفئ؟ وليس من العمر إلا مثل دقيقة تنقضي؟ وليس من الشعور إلا لمعة تزول؟ وليس من الزمان إلا آناً يسيل؟ وليس من المكان إلا مقدار القبر؟
ذلك من العجز ما لا يحد، ومن الأحتياج ما لا يتناهى، ومن الفقر ما لا يحصى، ومن الآمال ما لا غاية لها؟”(1).
“يا نفسي الجاهلة المغرورة: إن لكل مقام ومرتبة ظل، بل ظلال متباينة وابن الظل من الأصل؟
فهل يليق بمن يرى عكس سرير السلطان في الماء تحته، أو في المنام، فقعد عليه، أن يظن نفسه سلطانا أو مساويا للسلطان؟ أو يشاهد النجوم في حوضه، فيظن أنه في السماء كمن يسري بين النجوم، أو فوقها؟ على أن من يرافقه عقله علمه وعقله في السير الملكوتي على خطرٍ عظيم من الغرور!”(2).
“أيها الإنسان، لا تتكبر على الحيوان إن سبب رفعتك على سائر الحيوانات إنما هو عجزك وضعفك! كم أن الصبي يحكم والديه وإخوانه بقدرة عجزه، وقوة ضعفه!”(3) وله في النص الآتي. حوار لطيف مع نفسه يقمعها عن الكبر قمعا ينصب له حشرة أستاذا له، فيردعها عن الوقوع في الضد بالتوازن المشاهد في السنن والفطرة “إني لما رأيت نفسي مغرورة بمحاسنها، فقلت: لا تملكين شيئاً. فقالت: فإذاً لا أهتمُّ بما ليس لي من البدن! فقلت: لا بد أن تكوني أقل من الذباب فإن شئت شاهداً، فانظري إلى هذا الذباب كيف ينظف جناحيه برجليه! ويمسح عينيه ورأسه بيديه! سبحان من ألهمه هذا، وصيره أستاذا لي، وأفحم به نفسي!”(4).
————
1 – النورسي/ المثنوي/ حباب/ ص 191
2 -النورسي/ المثنوي/ زهرة/ ص 267
3 – النورسي/ المثنوي/ نور من أنوار نجوم القرآن/ ص 444
4 – النورسي/ المثنوي/ ذيل القطرة/ ص 168
ذ. عوني لطفي اوغلو
مركز كوبرو ( الجسر) للدراسات
استانبول