رفقا بنا أيها الدعاة!!


إن من أسوإ ما ابتليت به أمتنا في عصرنا هذا منابر لم تعد تلعب دورها الريادي في الوعظ والإرشاد والتعليم والتربية والتوجيه. أدارت هذه المنابر ظهرها لرسالتها الدعوية ومهمتها العليا، واهتمت بتوافه الأمور التي لا يطرح عادة من فوقها إلا ما راج في عصور الانحطاط والانحسار، كالخلافات الفقهية والخلافات الشخصية والطعن في دين الناس وأعراضهم، فقطعت صلتها بواقعها وغابت عن ساحة عملها، فتركت فراغا وشبابا متعطشا. أما الفراغ فاستغله أناس ملأوا جوف هذا الشباب علما قاتلا مفاده التحجير والتضييق والتعسير.

وإن من أسوأ ما ابتليت به أمتنا اليوم، دعاة معنفون، مأنبون، يضيقون سعة الإسلام وينفرون الناس من الدين. وقد أنزل هذا الدين لسعادة الإنسان لا لشقائه {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}(طه : 1- 2) ولا لتشقي به غيرك. {ولوكنت فظا غليظا القلبلانفضوا من حولك}(آل عمران : 159). ومعناها يا محمد لوكنت جافا في المعاملة والقول ولا شفقة عندك لتفرقوا ونفروا فلم تتحقق بذلك المحبة ووحدة الصف التي يريدها الإسلام. وصدق الإمام البوصيري في قصيدته المحمدية حين قال:

محمد ثابث الميثاق حافظه

محمد طَيب الاخلاق والشيم

فالداعية إلى الله عزوجل قُدوته محمد  ومهمته تجميع الناس، ولا تكون دعوته بتعنيفهم ومقاطعتهم، وإنما بأخذ كافة الأسباب التي تؤدي إلى هدايتهم. من أخطأ جهلا أخذ بيده يعلمه ولا يأنبه، ويعطف عليه عطف الأب على  المريض من أبنائه.

ومن أخطا عمدا همس في أذنه بنصحه ولا يفضحه، ويرفق به ولا يعنفه. وإلا أخذته العزة بالإثم وضاع الهدف من الدعوة. على الداعية أن يعتبر نفسه مربيا للناس ومعلما لهم. ولكي يكون ناجحا في هذا عليه أن لا يعاملهم كأعداء وألا ينظر إليهم باستعلاء وإلا صدق قول الشاعر المسلم :

ومن رآني بعين نقص      رأيته بالتي رآني

ومن رآني بعين تَـٍّم         رأيته كامل المعاني

من نظر إلي نظرة نقص واحتقار نظرتُ إليه نظرة نقص واحتقار فلم أقبل نصحه. ومن نظر إلي نظرة تقدير واعتبار نظرت إليه نظرة  تقدير واعتبار فقبلت نصحه.

إلى هؤلاء الدعاة المعنفين أقول: اعلموا أن الرسول  كان يرقب صحبه الكرام، إذا رأى منهم ميلا إلى التعسير رَدَّهُم إلى التيسير وأرشدهم إلى الأخذ بالرفق.

وقد ثبت عنه  في صحيحي البخاري ومسلم قوله : >يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا<.

أتى أعرابي إلى الرسول  وهوفي المسجد، ثم تنحى جانبا، وتبول في المسجد، فثار عليه الصحابة، فنهاهم : >لا تزرموه، دعوه< فتركوه حتى بال، ثم أمر أصحابه أن يريقوا على بوله “سَجْلا من ماء” أي دلوا. وقال لأصحابه : >إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين< ثم دعا الأعرابي وقال له : >إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عزوجل والصلاة وقراءة القرآن< والحديث عند البخاري ومسلم.

هكذا حل الرسول  هذه القضية بسهولة ويسر. ترك الأعرابي يتم بوله، ولولم يفعل لنجس الأعرابي مساحة أكبر من المسجد، ولنجس جسده وملا بسه. ثم بين للصحابة كيف يُطَهّر المكان بالماء، ودعا الأعرابي لا ليعنفه ويأنبه وإنما ليعلمه ما كان يجهله عن حرمة المساجد.

هذا هوالمنهج النبوي في التعامل مع القضايا. هذه هي سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام يعلمنا كيف يتعامل الداعية مع القضايا فيمتص أخطاء المخطئين ولا يخرج منها إلا الدروس والعبر التي تُفيد كما تُعصر الليمونة القارصة فيُخرج منها شراب حلومفيد.

فالله الله في إخوانكم أيها الدعاة، علموهم ولا تعنفوهم. والله من وراء القصد وهوولي التوفيق.

أحمد مصباح- استراسبورغ

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>