المخالفة الشرعية في الاحتفال برأس السنة الميلادية


الحمد لله العلي الأعظم، الهادي الأكرم، شرع لنا المنهاج الأقوم، وهدانا الصراط الأسلم، نحمده تعالى حمدا يليق  بمقامه  الأسمى، ونشكره على نعمه العظمى، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له،  يدعوإلى دار السلام، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، بلغ رسالةالله، حتى أقام دين الله في الأرض وفي النفوس، وترك أمته على المحجة البيضاء،  ليلها كنهارها،  لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله  وصحبه الأوفياء، الذين عاشوا على الإسلام ومن أجله.

أما بعد أيها المسلمون : إن المسلمين إذا زاغوا عن طريق الحق لعبت بهم الأهواء،  وساقتهم حيث تشاء، وإذا انحرفوا عن أخلاق الإسلام وفرطوا في قيمهم، حلت بهم المصائب والأدواء، وسلكوا طرق الضلال والإغواء، وانهزموا وتسلط عليهم الخصوم والأعداء، وكان مصيرهم التأخرَ والهامشية والانزواء، والسير في ركاب الغالبين الأقوياء، وإن المتأمل في واقع المسلمين اليوم يرى ذلك تماما، وتظهر له هذه الحقائق جلية.

إن المسلمين المنهزمين اليوم قلدوا الغرب “القوي” في كل شيء سافل تافه من الأقوال والأفعال، إلا في العلم والاختراع والصناعة والابتكار والجد، قلدوه في الأخلاق والأكل والشرب واللغة والعادات وفي قوانين الحكم ونظم الحياة، ومن جملة ما قلدوه فيه : مصيبة الاحتفال برأس السنة الميلادية، لقد انتشر هذا المنكر الشنيع بين المسلمين وانشغلوا به انشغالا كبيرا، واهتموا به وتهيؤوا له، واتخذوا مناسبته عطلة وعيدا لهم، وذلك بسبب  ضعف الإيمان في قلوبهم، وتقليد النصارى واتِّباع سيرتهم ونهجهم في كل ما يفعلونه، وبسبب الانبهار والإعجاب بحضارة الغرب المادية الزائفة، والانخداع ببريقها المخدر، وبسبب الغزو الفكري والثقافي والترويج الإعلامي – المسموع والمقروء والمرئي-  الذي يحرض على هذه  الضلالات، ويلفت إليها أنظار الناس وأسماعهم، ويحرك قلوبهم لها، ويثير أهواءهم للاستعداد لها، فما إن تقترب هذه المناسبة حتى ترى المسلمين يستعدون لها وكأنها من أصول الإسلام، بل منهم من يعتبرها أهم وأولى من الأعياد و المناسبات الدينية والأحداث التاريخية الإسلامية، فجعلوها معيارا يسير عليه التاريخ، بدل اعتماد التاريخ الهجري الذي يجعل المسلمين مرتبطين بأصولهم ومطلعين على تاريخهم المملوء بالأمجاد والبطولات والمفاخر، وسبب ذلك أن الناس  أصيبوا بخلل في معارفهم الدينية، ونقص في زادهم الإيماني، حتى أصبحوا لا  يفرقون بين ما هوحلال وبين ما هوحرام، ولا بين ما هوأصيل ولا ما هودخيل.

> أيها المسلمون : إن الله عز وجل هدانا صراطا مستقيما، وهوصراط الصفوة الأخيار من النبيئين والصديقينوالشهداء والصالحين، وجاءت شريعة الإسلام لتقيم لنا هديا مخالفا لهدي الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، فشريعتنا متبوعة لا تابعة، وناسخة لامنسوخة ، قال الله عز وجل في سورة الجاثية : {ثم جعلناك على شريعة  من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}(الجاثية : 18)، والمسلم الذي يصلي  لربه عز وجل يدعوه في كل ركعة أن يدُلّه ويُثَبّته على هذا الصراط،  وفي نفس  الوقت يشارك النصارى في احتفالاتهم وعاداتهم، يكون صنيعه هذا منافيا لما قررته  الآية الكريمة من سورة الفاتحة، ويكون متناقضا مع قوله وفعله، وكاذبا في  ادّعائه،  وفيه خلل في التصور، فهويصلي ويصوم،  ولكن إذا حل رأس  السنة الميلادية تبع النصارى وفرح معهم وأقبل عليهم بالوجه الذي يرضيهم، قال  النبي  : >إن شرّ الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه،  وهؤلاء بوجه<(1)، وإن الله سبحانه نهانا  أن نميل ونركن إلى الذين ظلموا  وحادُوا عن سبيله، ونشاركَهم في ضلالهم وفجورهم، حتى لا يصيبنا ما يصيبهم،   فقال العلي الأعلى سبحانه في سورة هود : {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم  النار،  ومالكم من دون الله من أولياء،  ثم لاتنصرون}(هود : 113).

> أيها المسلمون : إذا اقترب رأس السنة الميلادية، ترى الناس يستعدون لها  باقتناء الهدايا والمأكولات والمشروبات الحلال والحرام،  والملابس  ولُعب  الأطفال،  فيزدحمون أمام أبواب المتاجر وعلى الحلاقين ومحلات التصوير، أما  إذا حلت الليلة الموعودة سهروا إلى وقت متأخر من الليل في الفنادق والبارات وفي  الشوارع والبيوت  على الخمر والرقص  والرجس والغناء، ومع البغايا على الزنا  والمنكر، وهذه أمور محرمة دائما، وتزداد حِرمة ونكارة وشناعة حين تُقتَرف  تقليدا للنصارى، وعامة الناس يُحْيوون هذه الليلة بتناول الحلويات، وتبادل  الهدايا والتهاني والتبريكات، وإقامة الحفلات  وتزيين الدور والمحلات بالأضواء  الكهربائية والصور وكلمات التحية المكتوبة المحبوبة، ومتابعة وسائل الإعلام  المرئية والمسموعة المسمومة، التي تواكب هذا الحدث الصاخب العاطب، حيث تنظم  سهرات الغناء والرقص والفحش والمجون لإغواء المشاهدين، وإفساد المستمعين،  زاعمة أن ذلك لإسعادهم والترويح عنهم، فترى في هذه الليلة المسهورة المسعورة،  المنكرات والفواحش والفواجع، ترى الخمر يباع ويُشْرب علانية، يسيل وديانا،  وترى الزناة مفضوحين، وتسمع المعربدين يصيحون كالكلاب،  يقلقون الناس ويسبون  ويشتمون، ويتلفظون بالكلام الساقط الهابط، وترى القبلات والعناقات، وتسمع  الموسيقى الصاخبة المائعة، التي  تُؤَرّقُ  العيون الهاجعة، وتؤذي أصحاب  القلوب الخاشعة، وترى الشر أينما وليت بوجهك، ترى الناس يَختمون سنتهم  الميلادية المنقضية بالشر،  ويبدءون الجديدة بالمنكر والضلال، يقع كل هذا تحت  حماية ومراقبة من كلفوا بتحقيق الأمن في البلاد  وحماية الرذيلة،  وحراسة  الأراذل، كي تمر الليلة في تمام المعصية دون إزعاج من أحد . فكم يقع في هذه الليلة من مصائب وحوادث وأضرار، ومعارك بين السكارى النُّدماء،  فتسيل الدماء وتسقط الأرواح، وتهتك الأعراض، وتضيع الممتلكات، وتقع عمليات  السرقة والنهب !!!.

> أيها المسلمون : إن هذه محرمات وضلالات حرمها الشرع الحنيف، وحذر منها علماء الإسلام من جميع المذاهب، وأفْتَوْا بتحريمها، لما فيها من تشبه بالكفار والضالين، يقول الله جل شأنه في سورة المائدة  {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}(المائدة : 77)، ويقول الله عز وجل في سورة المائدة  {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين}(المائدة : 51)، ومعنىالولاية المذكورة في الآية،  إظهار النصرة والمحبة والإتباع والتقليد  لهم  في منهاج حياتهم،  عن النبي  أنه قال : >من تشبه بقوم  فهومنهم<(2)، وقال عليه الصلاة والسلام : >لتتبعن سَنَن من كان قبلكم شبرا  بشبر وذراعا ذراعا، حتى لودخلوا جحر ضب تبعتموهم، قالوا يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال فمن؟<(3).

فيجب على المسلمين مقاطعة هذه المنكرات والابتعاد عنها وعدم الاحتفال برأس  السنة الميلادية، بل واعتبارها يوما عاديا من أيام الله، لأنه ليس من أعياد  المسلمين،  وحثُّ الأبناء والأهل والجيران على الابتعاد عن كل ما يُرتَكَب  فيها، وإظهار شناعة ذلك، وإبراز سلبياته  وأضراره على الدين والأخلاق  والحياة، ويجب على المسلمين  أيضا أن لا يكونوا إمّعات لا إرادة لهم، إن أساء  الناس أساءوا، وإن أحسنوا يحسنوا، بل عليهم أن يوطنوا أنفسهم ويستقيموا على  دينهم، ولا ينحرفوا مع المنحرفين، كما قال الرسول  : >لا تكونوا إمّعة، تقولون إن أ حسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أحسنوا، وإن أساءوا ألّا تظلموا<(4) والإمّعة  : هومن لا رأي له حيث يقلد  كل أحد، دون أن يستعمل عقله، ولكثرة  ما يقول أنا مع الناس سمي إمعة.

> أيها المسلمون : كان رسول الله  يحرص كل الحرص على  أن تخالف أمته اليهود والنصارى في كل شيء، حتى قال عنه اليهود أنفسهم : >ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه<(5).

وإذا كان اليهود والنصارى يتجاهلون أعيادنا ومناسباتنا ولا يحتفلون بها، بل يستهزئون بها ، فما بالنا نحن نحتفل بمناسباتهم ونحييها على سنتهم ؟ ولم يرضَ عنا النصارى يوما من الأيام ما رضُوا عنا في هذا الزمان مصداقا لما أخبر به  الحق سبحانه : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تَتَّبع ملتهم}(البقرة : 120).

ولقد صدق الرسول عليه السلام حينما أخبر بظهور المقلدين من أمته فقال : >لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع، فقيل يا رسول الله : كفارس والروم ؟ فقال ومن الناس إلا أولئك<(6).

فكيف يَصحّ في عقل  مسلم أن يوافق هؤلاء الضالين في غيهم، ويشاركهم في احتفالاتهم وموبقاتهم في بيته ومتجره ، أويذهب إلى بلادهم في رحلات سياحية عابثة، يضيع فيها المال والأخلاق، فيعود فاسدا خاسرا، قال عبد الله بن عتبة : ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أونصرانيا وهولا يشعر(7).

إن المنهزمين من بني جلدتنا يندفعون إلى تقليد الأوروبيين في كل عاداتهم،  فترى المترفين في رأس السنة يهتمون بها اهتماما بالغا، فيلبسون أفخر الألبسة ويتناولون أشهى الأطعمة والأشربة ويتبادلون أثمن الهدايا، وأجمل التهاني  والتحيات والتبريكات ويأخذون لأطفالهم صورا مع (بابا نويل)  بقناعه الكاريكاتوري، ولحيته البيضاء، وجبتهالحمراء، وعصاه الطويلة، للتبرُّك،  الأمر الذي يدل على مسخ الشخصية وذوبانها، والانهزامية  والتزعزع  في العقيدة، والدَّوران في فلك التّبَعية الذليلة العليلة للحياة الغربية المادية الطاغية  الباغية،  وهذا ما لا يرضاه لنا ديننا الحنيف النظيف.

ها أنتم أيها المسلمون سمعتم توجيهات من  كتاب ربكم وسنة رسولكم فيمن يقلد  اليهود والنصارى في بهتانهم فماذا أنتم صانعون ؟ هل ستستمرون في الاحتفال  بضلالهم أم مطلوب منا الأخذ بأيدي إخواننا المنخدعين بالنصارى المتابعين لهم  وإسداء النصح لهم وحثهم على اتباع الشرع الحنيف وصراط الله المستقيم.

فلابد من تصحيح  تصورنا ووقفة تأمل فيما نحن سائرون فيه لابد من مراجعة النفس،  وإرغامها على اتباع منهج الله وطريق الحق ،  فلا عزة لنا ولا كرامة لنا إن نحن  سرنا في درب الظالمين والمغضوب عليهم  وتنكبنا طريق الصالحين والمنعم عليهم.

——

1- حديثرواه البخاري  ورواه مسلم عن أبي هريرة برقم : 2526

2-حديث رواه أبوداود عن ابن عمر رقم : 403

3- رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري برقم 7320

4- رواه الترمذي في كتاب البر برقم : 2008عن حذيفة وقال حديث حسن غريب، انظر  المنتقى من الترغيب والترهيب للقرضاوي حديث رقم :1509.

5- حديث رواه  مسلم عن أنس برقم : 302 في  كتاب الحيض

6-  رواه البخاري عن أبي هريرة برقم7319 .

7- تفسير ابن كثير(2. 69) عن محمد بن سيرين

أحمد المتوكل إمام وخطيب مسجد الرميلة تاونات المغرب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>