الأسطوانة المشروخة!!


… كلما حلت ذكرى آفة من آفات هذا العالم إلاّ وتلقفتها أجهزتنا الاعلامية وأحيتها واحتفلت بها بشكل قد يفوق احتفال الغربيين بها مع أنها إنما جاءت من عندهم، ومن أبرز هذه الآفات، آفة داء فقدان المناعة المكتسبة السيدا.. فقد تم الاحتفاء بهذا اليوم العالمي عندنا خلال أسبوع كامل، انبرت له جميع وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة -وبجميع اللغات واللهجات المحلية.

(تصدح) من طلوع الشمس إلى غروبها بنفس الكلام الخشبي والخطاب الجاف الذي مللنا من سماعه في مثل هذه المناسبات، نفس النصائح نفس الخطابات ونفس الأسطوانات المشروخة :

- ضرورة استعمال العازل الطبي في كل علاقة جنسية؟

- الاكتفاء بخليل/خليلة واحدة وعدم التعدد (في الزنى).

- تجنب استعمال الإبر المستعملة (المقصود إبر المخدرات) الخ..الخ..

قد يكون مثل هذا الكلام مفهوما ومنطقيا في مجتمعات لا علاقة لها بالدين ولا بالعفة بل  وتقوم دساتيرها على فصل الدين عن الأمور الأخرى..

لكن الذي لا يمكن فهمه هو أن يكرر هذا الكلام ويقال على جميع المنابر في مجتمعات تدين بالإسلام ودساتيرها قائمة على أساس “أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة”. لا يُفهم أن يُكرر مثل هذا الخطاب الخشبي وتُسدى نفس النصائح للحد من هذا الوباء الخطير، مع أن الأيام والسنوات أثبتت عقم مثل هذه الخطابات الجافة وعدم قدرتها على الحدّ ولو قليلاً من انتشار هذا الوباء الفتاك، بل تثبت الإحصائيات الرسمية أن المرضى في تزايد مضطرد وانتشار خطير!!!

فما جدوى هذا الخطاب إذن؟! وما جدوى ونجاعة هذه النصائح التي يقدمونها كل عام، حتى إذا جاء العام الذي يليه اكتشفنا أن عدد الإصابات قد تضاعف والمعاناة قد تفاقمت!! ألا يمكن أن نعتبر أن كل هؤلاء الناصحين والناصحات قد خانوا الأمانة الملقاة على عاتقهم وأنهم  لم يقوموا بدور النصح الصادق لهؤلاء الشباب والارشاد السليم حتى يجنبوهم الوقوع أصلا فيما قد يُسبب هذه الآفة وما يستتبعها من مُعاناة ومشاكل لا حصر لها ليس على المصاب وحده ولكن على كل من له صلة به بل وعلى المجتمع بكامله.

ألا يمكن اعتبار الطبيب أو الذي أعطى النصيحة بداية خائنا لأمانة النصح الصادق؟! أولا يمكن محاسبة هؤلاء الناصحين والناصحات على ما قدموه من نصائح فاسدة لهؤلاء الشباب المغلوب على أمره حتى وقع بسبب جهله وجهل من نصحوه. فإذا كنا نُتابع أطباء وقعوا في خطإ طبي، فلماذا لا يتابع أطباء وفاعلون اجتماعيون وقعوا ويقعون في كل عام مرة ومرات بسبب كتاباتهم ونصائحهم المغشوشة.. فلماذا لا يحاسب هؤلاء ويتابعون على مسؤوليتهم الفِعلية وليست المعنوية عما يحدث من فواجع وكوارث في أوساط الشباب؟!.

أولا يعتبر نصح الشباب باستعمال العازل الطبي عند كل ممارسة جنسية تشجيعا لهم على ممارسة الجنس والارتماء في أحضان الرذيلة؟! أوليس نصحهم بالاكتفاء بخليل أو خليلة واحدة هو تشجيعهم على ارتكاب المعاصي. أوليس… أوليس…؟!

صحيح أن هناك أطباء وفاعلين اجتماعيين شرفاء ولهم روح وغيرة وطنية عالية وضمير حي وإيمان قوي يستعملون الخطاب الاسلامي الفعال في علاج مثل هذه الآفات. لكن غثاء الخطابات الضالة المُضلة هي الغالبة والمسموعة وتُنصب لها المنابر الاعلامية وغير الاعلامية حتى تُسمع أصواتها المهترئة وتكرر اسطواناتها المشروخة ونصائحها الفاسدة التي لم تجر على هذه الأمة إلا الويلات والمصائب، و{إنا لله وإنا إليه راجعون} وحسبنا الله ونعم الوكيل.

إن عقيدة هذه الأمة تدعو إلى العفة والحصانة الخلقية والطهارة السلوكية. فلماذا لا يُفعّل هذا الجانب الإيماني لدى الناس وتتم محاطبتهم بما يفهمون ويُنصحون بما نصحهم به رب العزة وهو خالقهم وهو أدرى بما يصلح لهم وما ينفعهم ويصلح أسرهم في الدنيا والآخرة ويؤمنهم من الخوف والآفات، ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا وسكينة روحية وإيمانا قويا يدفعهم للعمل الصالح والتنافس فيما ينفع الناس والعمل على رقي وازدهار مجتمعاتهم وأوطانهم حتى تصبح في مصاف بل، في مقدمة الدول والمجتمعات بعدما هوت بها الأفكار المريضة والحلول المستوردة إلى أسفل الدركات، حتى أصبحنا والحالة هاته كالأيتام في مأدبة اللئام مُكبلين إلى الأذقان في سلسلة ذرعها السماوات والأرض من الجهل والأمية والفقر والأمراض الفتاكة، (نصف) شبابنا يموت في البحار فراراً من الفقر وطمعاً في جنات الخلد في بلاد الغرب أما (النصف) الآخر فيموت جهلاً أو ضياعاً في بِرك الانحراف والرذيلة والعبث وما يستتبع ذلك من مشاكل وآفات تربوية وسلوكية تنعكس سلبا على منظومتنا التربوية وتماسكنا الأسري وأمننا الاجتماعي والروحي.. كل ذلك نتيجة حتمية لعدم وجود :

< توجيه سليم يُبصِّر الشباب بالأخطار الحقيقية المحدقة بهم.

< موجهين وفاعلين اجتماعيين في مستوى التحدي والغزو الفكري الذي يواجهه شبابنا وأمتنا بصفة عامة.

< مختصين ومفكرين ذوي خبرات وكفاءات عالية وذوي إيمان قوي وجرأة علمية كافية لتوجيه النصح السليم لهؤلاء الشباب المغرر به.

< علماء أقوياء قادرين على مواجهة الانحرافات السلوكية والأخلاقية التي أصبحت تهدد أخلاق شبابنا وقيم أمتنا بأسلوب عصري يُقرب ولا يُنفر، يرغب ولا يُرهب.

< أمناء ومسؤولين مخلصين يخافون الله في شباب هذه الأمة ويضعون مصلحة أبناء هذه الأمة فوق كل اعتبار أو ربح مادي زهيد قد يكون على حساب أخلاق وقيم وكرامة شبابنا؟!

إنها لأمانة وإنها يوم القيامة لخزي وندامة أو عزة وكرامة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ذ.عبد القادر لوكيلي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>