الدعاة قافلة خير مستمرة


إن مما لا يختلف حوله اثنان، أن الإسلام قوة متحركة لا ترضى الوقوف، وهو دين زاحف لا يهدأ، بل إن نظرة متسرة في تطور الصحوة الإسلامية على ساحة العالم الإسلامي، تنبئنا أن الدعاة قافلة الخير المستمرة التي لا تعرف الجمود، بدءا بالفتوحات الإسلامية التي عملت لفتح البلدان أمام الدعاة ليرسوا قواعد إسلامهم أمام الأمم التي حجبت عنها الحقيقة وطُمست معالم العقيدة السليمة فيها، إلى أن غدا شباب هذه الأمة يحمل مفاهيم منحرفة مضلة، علمه إياها منطق الحضارة الغربية وأوتي من كل فلسفة ضالة ما حسبه تطورا فكريا، فارتضاه سبيله المبين، إلى أن حاول أن يحشر ترسانة ضخمة من المفاهيم والتصورات التي لا يعلم عن سمومها قطعا إلا القشور، إلى أن باتت تُعَرض المفاهيم القرآنية الحقة إلى العديد من التشوهات حتى إذا زحف هذا السيل الجارف من نظير هذه المفاهيم السامة،على الجيل الصاعد من أبناء هذه الأمة الذين نَكلوا و نُكلوا حقا عن القرآن والتدبر في كتاب الله، قالوا هذا هو فكرنا فأخذوه وهم لا يشعرون.

ولا شك أن تلك الوهدات التي يعيشها شباب هذه الأمة من حين لآخر، لا مخرج لنا منها إن لم نتصل بكتاب الله عزوجل والدعوة إليه، على أن نجعل منهج القرآن يستقر في قلوبنا، منهج هداية لنا إلى الصراط المستقيم، وبدون ذلك المنهج فلن نصل ” فإذا لم يقع الإتباع فلا يمكن أن يقع الوصول”(1)،  {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه}(المائدة : 16).

إذا كان لكل هذه الغوازي التي ابتلي بها مجتمعنا، أثرا في خلق تفاعل نوعي مع هذه التحديات لنتصدى لها، وننزل في إطارها الدعوة، ليقف الدعاة بصلابة المجاهدين أمام الخطر الداهم ليقلبوا موازينه وتقديراته:

فإننا لفي حاجة إلى دعاة سفراء، عارفين ليُعرفوا الناس بكتابهم هاديا للتي هي أقوم، ومبشرا بأجر وصلاح ونصر للأمة قريب، بعد أن حُجبت معالمه بجاهلية كبيرة في مجتمعاتنا.

إننا لفي حاجة، إلى دعاة ورعين مخلصين عليهم نفحات من البيان القرآني، ليبينوا لنا كتاب الله كما أنزل على قلب محمد ، بعيدا عن الجمود المذهبي و التكلس التعصبي، و الانحراف العقائدي، لنرى جماله ينساب لحنا في الخلود يُسمع الناس حقيقة الوحي كما أنزل على قلب النبي العربي صافيا واضحا بَيِّنا متكاملا، {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}(يوسف : 108).

إننا لفي حاجة، إلى دعاة يظهرون لنا سيرة النبي العظيم بينة في سلوكهم ودعوتهم ليس فيها الدخيل وليس فيها العاطفة التي لا تؤسس حضارة و لا تبني مجتمعا، إنها السيرة العطرة في خلُقه الكبير، وإنسانيته العظيمة ودعوته الصادقة، ونوره الساطع، وسلوكه الربّاني المتكامل لنرى صورة رسول الله  واضحة جلية، صورة المعطاء الوفي الشجاع الصادق الرحيم المتعاطف مع بني الإنسان ليرفعهم إلى مرتبة الإنسانية السامقة الرفيعة.

لكم نحن في حاجة، إلى دعاة يجددون لشباب هذه الأمة حضارة العرب، حضارة الإسلام كما بناها عمر وخالد وسعد وعقبة وقتيبة بن مسلم وصلاح الدين، لا حضارة الغرب التي سرقت الشخصية الإنسانية، وحالت بين المرء و قلبه، وبين المرء وتراثه، وضعت حجبا على عينيه حتى يضل عن الطريق وهو يظن أنه على الطريق.

ما أحوجنا إلى دعاة يحملون مشعل المدنية بأيمانهم، وقَلم المعرفة بعقولهم، وإنسانية الإنسان في دعوتهم، وربانية العقيدة في منطلقهم، ليرسوا لنا حضارة عريقة سليمة بعيدة عن كل زيف وعن كل صراع طبقي متجمد، وقد أمرنا الله تبارك اسمه: {ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون}(آل عمران : 104).

——-

1 -  شروط الانتفاع بالقرآن الكريم . للدكتور الشاهد البوشيخي / منشورات المحجة. الطبعة الأولى 2001.

مراد الحسني

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>