دراسة وتقويم التراث الإسلامي في الفكر العربي الحديث :
إن للتراث الإسلامي الأصيل أهمية كبيرة في العصر الحاضر. ويتجلى ذلك في الدراسات والأطروحات العديدة والمختلفة التي اهتمت به خصوصا لدى الفكر العربي الحديث الذي قام رواده ومفكروه بالدراسة والبحث والتنقيب فيه وتقويمه ونقده. وقد تم إنجاز بحوث وكتب ومؤلفات ودراسات ومصنفات متعددة في هذا المجال مما يعني أن التراث الإسلامي قضية حيوية ومهمة وخصبة للدراسة والبحث. إلا أن اتجاهات الفكر العربي الحديث التي تتعدد وتتنوع تنظر إلى هذا التراث وتقييمه انطلاقا من مواقفها وآرائها وخلفياتها المعينة والمحددة. ولعل من أهم هذه الاتجاهات والمدارس الحديثة الاتجاه الفولكلوري الذي يعتبر التراث الإسلامي فولكلورا وتحفة فنية يجب المحافظة عليها والاعتناء بها وصيانتها.
الرؤية الفولكلورية للتراث الإسلامية رؤية قاصرة :
تعتبر الرؤية أو المدرسة الفولكلورية التراث الإسلامي الفكري والثقافي والعقدي والحضاري فولكلورا وقيما متحفية ومعالم أثرية يجب المحافظة عليها وصيانتها من الضياع والاندثار والزوال. وهي رؤية إيجابية إلى حد ما مقارنة مع الرؤى والمواقف والمدارس الأخرى للفكر العربي الحديث التي تدعو إلى الرفض الكلي للتراث والاحتذاء بالغرب وتقليده في كل شيء أو التي تحاول قراءة ودراسة هذا التراث انطلاقا من وجهة نظر الفكر الغربي الحداثي الذي لا يولي أي أهمية للقيم الروحية والأخلاقية والفكرية كالدين والعقيدة والتراث والثقافة.
وعلى الرغم من هذه الرؤية الإيجابية للاتجاه الفولكلوري نحو التراث الإسلامي إلا أنه يظل موقفا سلبيا خطيرا. فهذه الرؤية السلبية هي تأثر وانبهار وتقليد للحضارة الغربية المادية الملحدة التي تنظر إلى تراثها المتنوع على أنه تحف فنية وأثارا وبناءات يجب المحافظة عليها وحمايتها وترميمها وإصلاحها لكي لا تتعرض للضياع أو التلف أو الزوال.
إن هذا الموقف السلبي من التراث الإسلامي يوضح بجلاء تبعية النخبة الفكرية العربية الحديثة وانصهارها وذوبانها فيه وتعرضها لأشكال التغريب والاستيلاب والمسخ وانسلاخها من مقومات الحضارة الإسلامية الأصيلة والجوهرية كالدين والعقيدة والتراث والثقافة والفكر الإسلاميين. وهكذا فإن الموقف الفلكلوري يغتال قيم التراث الإسلامي ومضمونه المعنوي والروحي ولا يبقى منه إلا الأشكال والمظاهر الجوفاء التي تذكر بالماضي فقط ولا تحييه. إنه لا يدعو إلى رفض التراث جهرة وعلانية وقطع الصلة به وإنما يحاول لفت الانتباه والاهتمام إلى آثار ومخلفات وباءات الماضي البعيد والقريب.
مسؤولية علماء ومفكري الأمة التحذير من الاتجاه الفلكلوري وإبراز دور التراث في النهضة الحضارية :
وهكذا فإنه أصبحمن واجب العلماء ومفكري وباحثي الأمة العربية والاسلامية التنبيه والتحذير من خطورة هذا الاتجاه الفولكلوري للتراث في الفكر العربي الحديث ونظرته السلبية وانحرافه في دراسة ونقد وتقييم تراثنا الأصيل مع الاستفادة من بعض إيجابيات هذا الاتجاه مقارنة مع الاتجاهات والمدارس الفكرية الأخرى خاصة اليسارية والعلمانية.
إن الواجب الحضاري والديني يفرض على علماء ومفكري وباحثي الأمة اليوم إبراز أهمية ودور التراث الإسلامي المتنوع والغزير العقدي والفقهي والفكري والثقافي والاجتماعي في النهضة الحضارية لهذه الأمة في مختلفة عصور التاريخ وتقدمها وتفوقها على باقي الحضارات الإنسانية خاصة الحضارة الغربية المعاصرة المادية الإلحادية التي لا تعترف بالمثل والقيم الدينية والروحية والأخلاقية والتربوية… كما أن من واجب الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث بالبلاد العربية والإسلامية إنجاز دراسات وأبحاث وإصدار ونشر كتب ومؤلفات ومصنفات وموسوعات حول التراث الإسلامي الأصيل من أجل التعريف به وتبيان مكانته ودوره العظيم في تحقيق النهضة الحضارية في مختلف مجالات الحياة الدينية والدنيوية.
عمر الرماش