من أسوأ ما وقع فيه المغرب عندما اتجه للتنمية من باب السياحة أنه غفل أننا مجتمع مسلم وأن السياحة يجب أن تكون منسجمة مع عقائدنا وأخلاقنا وعاداتنا، وظن الذين كانوا يروِّجون للسياحة المرتبطة بالخمر والنساء أننا سنصبح في مقدمة الدول السياحة في العالم…
وقد قال لي أحد إخواننا بالحسيمة أن وزيرا للسياحة قال لهم أوائل الاستقلال : “إن أردتم ازدهار السياحة في بلادكم فأخرجوا نساءكم”.
ومن أهم الأخطاء القاتلة الاعتماد على مداخيل العملة الصعبة من السياحة، وما زلت أذكر دراسة وافية وعظيمة للأستاذ الكبير علال الفاسي انتقد فيها المبالغة في الاستثمار في السياحة وبين بالعلم والأرقام ما يخسره المغرب إن هو اعتمد على السياحة… ومع ذلك فإن أَفْواه السياحة التهمت ملايير الدولارات دون أن تكون لها المردودية المرجوة… ولذلك كان لا بد من الاهتمام بالسياحة لتكون سياحة علمية وثقافية وصحية واستشفائية وترفيهية بريئة وتكون تعريفا لبلادنا وكنوزها في الآثار والتاريخ والصناعات المغربية الأصيلة السماة بالتقليدية شرط أن تكون صناعة متينة وسليمة وصادقة وأن يكون تجارها صادقين جديين ملتزمين بقانون الربح وبضمير حي، وعندنا من الآثار الاسلامية وغير الاسلامية ما يندر وجوده في بلدان أخرى.. ويكفي أن أشير أن “قصر الحمراء” بغرناطة تجني السياحة الاسبانية من ورائه خمسمائة وخمسين مليون دولار، وللمغرب تاريخ عريق ومتنوع وبطولات نادرة وشواطئ كبيرة جداً ورائعة، وعندنا أجواء صحية استشفائية وعندنا إمكانيات سياحية كثيرة.. المهم هو إعداد لكل المواقع السياحية إعداداً مناسباً وحمايتها خلقيا وأمنيا ومدِّ الآثار المختلفة والمدن السياحية المشهورة كفاس ومراكش بالمرشدين السياحيين ذوي ثقافة عالية وصحيحة.
أما السفاحة التي طغت على كثير من سياحاتنا فلن تجلب على هذه الأمة إلا الخراب، وفضيحة أكادير الأخيرة وقبلها فضيحة النذل سرفاتي البلجيكي الذي لوث سمعة المرأة المغربية والشعب المغربي المسلم بما نشر عنها من مَخَاز،ٍ وفضيحة الاسباني بمرتيل وفضائح أخرى فظيعة سُتِرت، ولن ننسى الحرج والعار الذي وقعنا فيه مع الله ومع أنفسنا ومع زوارنا من العلماء والفضلاء من صالحي الشرق العربي عندما شاركنا في ندوة بتطوان وأنزلونا بفندق شاطِئيٍّ في طريق سبتة لما شاهدناه إثر انتهائنا من طعام العشاء من فجور علني ونزاعات بين السكارى والزناة على البغايا والاشتباكات بالأيدي والهراوات مع الشتائم والصراخ، وآخرين علوجاً يقودون الفتاة المغربية للفجور وهم يدفعون أجرة الفندق، مما اضطرنا مع أولادنا ونسائنا إلى التزام غرفنا بعد أن كنا عازمين على التمتع في الليل بالمشي على الشاطئ داخل القرية الاسلامية التي أصبحت اليوم مدينة، كل ذلك يجلب على المغرب الشرور والآثام ويعرض المغرب إلى سخط الله الذي حذرنا في كتابه العزيز من هذه الموبقات التي كانت من أسباب خراب الأمم السابقة.
لذلك فإن ما أقدم عليه المقاول الصالح السيد ميلود الشعبي في الاستثمار في السياحة الحلال بدون خمور ولا فجور هي بداية عظيمة لسياحة مغربية أصيلة، وعلينا أن نروج لهذه السياحة النظيفة والشريفة ونساندها بكل ما لدينا من علاقات وامكانيات أدبية. نحن نعرف كثيراً من إخواننا بالشرق يكرهون زيارة المغرب لأنهم بمجرد ما يطئون أرضه يتصل بهم سماسرة اللحوم البشرية وفرق من “القوادين” يعرضون عليهم “السلع” اللحمية البشرية.
فهل آن للمغرب أن يثوب إلى رشده ويغير سلوكه في السياحة حتى لا تكون سفاحة والثقافة حتى لا تكون سخافة وغير ذلك مما يشوه سمعتنا ويقتل في أبنائنا روح الغيرة والرجولة والشهامة وفي بناتنا العفة والكرامة والشرف.
نسأل الله أن يوفق الحاج الشعبي في مشاريعهالحلال العظيمة وفي شجاعته التي يتسلح بها ويبارك في تجارته وفي عمره وفي أولاده.. ولا أنسى أن أذكر أن من مكارم هذا الرجل أن أحد وكلائه اشترى فندقا كبيرا ومربحاً يباع فيه الخمر وما يتبع ذلك في بلد عربي مسلم فحضر بنفسه وقام بالتخلص منه حالاً..
وأخيرا فإن هناك فنادق صغيرة أبى أصحابها بيع الخمور كما يعملون وسعهم للحفاظ على نظافتها الأخلاقية.
فاللهم كثّر أمثال الحاج الشعبي في هذا البلد الذي أصبح كثير من الناس فيه يتزاحمون على أبواب جهنم بالتجارة الحرام {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.
د.عبد السلام الهراس