من النبوة إلى الخلافة الراشدة : خط التحرير والتحرر الإنساني في عصر الرسالة


 

يقول تعالى: { وهديناه النجدين، فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة، فك رقبة..} ( البلد : 13 ).

إن هذا التقريع للإنسان ” الحر ” يهدف إلى وضع مسألة الرقيق في ضميره لتأخذ طريقها إلى الحل تدريجيا عن طريق التوجيه النبوي الذي كان يحث المسلمين على عتق الرقاب والرفق بالرقيق في أحاديث متعددة نذكر منها ما يلي :

1 – عن أبي هريرة ] عن رسول الله  قال : > من أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها، عضوا من أعضائه من النار، حتى فرجه بفرجه< (صحيح مسلم كتاب العتق21/1147، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي).

2 – وقال رسول الله   : >ومن لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه< (نفسه، كتاب الإيمان 3/1278)

3 – قال رسول الله   : > هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهمما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم<(صحيح مسلم كتاب الإيمان ج3).

إن هذه النصوص تعتبر تكميلية لبناء الإنسان وتقويمه تقويما يقوم عليه المشروع التحريري الإسلامي الذي يضم في خطوطه العامة مصير الرقيق إلى مصير الإنسان ” الحر ” ونقله من عالم الأشياء إلى عالم الأشخاص لأول مرة في التاريخ.

وإذا تأملنا أجواء حجة الوداع فإننا نجد خطبة الرسول   الوصية الروحية التي خلفها لمن بعده من أجيال المسلمين، مصرحا فيها بأسمى معاني حقوق الإنسان حين يقول : >يا أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي و لا لأحمر على أبيض و لا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى< (مسند الإمام أحمد  ص411/مجلد5).

” فهذا الحديث يكمل – في مناسبة يملؤها الجلال والتأثير – فلسفة ومنهج الإسلام في المشروع التحرري الإسلامي “.

***

و لاشك أن لهذه الفلسفة وهذا المنهج آثارا  تكون أكثر وضوحا في فترة التخلق(أي التكون) الدستوري التي تصب خلالها النصوص النظرية في الحقائق الاجتماعية، في أعمال وسلوك الجيل الذي وضع المشروع الإسلامي في مرحلة القدوة على طريق التحقيق من اليوم الذي أشرقت فيه الهداية المحمدية إلى يوم صــفين.

ومن خلال هذه الفترة، يمكن أن نستلهم النماذج الرائعة من الشخصيات التي بناها الإسلام والتي تربت في المدرسة المحمدية على يد سيد البشرية ومعلمها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه النماذج التي كانت نبراسا ينير طريق المستضعفين في الأرض ويعمل على إعلاء هممهم واستئصال العبودية والاستعباد من فوقها.

***

لاشك أن لكل مبدأ نظري – جاء به الإسلام – حدوده في التطبيق ” كالمبدأ الذي يؤسس الحكم الإسلامي على طاعة المحكومين لأولى الأمر كما ورد في الآية الكريمة : {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}(النساء : 57 ).

إن هذا المبدأ النظري يبين ويقرر امتيازات الحكم، لكن عمر رضي الله عنه يبين في الوقت نفسه  الحدود الواقعية لهذا المبدأ للذين عاهدوا على الطاعة والبيعة في خطبته المشهورة عندما قال : من رأى منكم في اعوجاجا فليقومني، فقام له أعرابي قائلا : والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بحد سيوفنا “، معبرا بذلك عن التصور الناضج لفكرة الطاعة في ضمير المحكوم وفكرة الرعاية والمسؤولية في ضمير الحاكم: فالطاعة والحكم محددان في ضمير الحاكم والمحكوم معا. وهكذا تبرز فكرة الحاجزين : هاوية الاستعباد وهاوية العبودية حتى أمكننا القول بأنه في مقابل الشعار الذي رفعته الثورة الفرنسية: ( لا نريد ربا ولا سيدا )  أعلنت الثورة الإسلامية : ” لا نريد عبودية  ولا استعبادا”.

محمد البنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>