من أجل ترشيد الاستهلاك في رمضان


{وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}(الأعراف : 29)؛ إنها أبلغ آية جمعت بين التربية الصحية  والتربية الاجتماعية  والتربية الاقتصادية ، وإن كانت هذه التربية الاقتصادية هي ما ينقصنا في  الكثير من المعاملات اليومية فإنه و بحلول شهر رمضان المعظم نفتقد إليها أكثر حيث يصبح العامل المشترك بين المسلمين في جميع دول العالم العربي والإسلامي هو الإسراف ؛ الإسراف في تناول الأطباق الرمضانية الشهيرة والتنافس في اقتناء  الأشكال المختلفة من الصنف الواحد ..إضافة إلى تكاثر الحملات الإعلامية المدلِّسة والمضللة في التنافس على عرض مختلف المنتوجات التي تلقى الإقبال في هذا الشهر والتي لا تتجاوز وللأسف غالبا مدة صلاحيتها شهر رمضان بل وقد لا تتجاوز اليوم الواحد فيكون مصيرها الضياع وتستأثر القمامات بالنصيب الأوفر، وهو أمر غريب خاصة ونحن أمة أمرت بإماطة الأذى عن اللقمة بصريح الحديث : >إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان<(1)، ومن غريب المفارقات بل ومن المفارقات العجيبة أن ما يلقى في القمامات كان الأجدر أن يوجه كصدقات إلى فئات عريضة وشرائح متعددة من المجتمع ممن هم في أمس الحاجة إلى كسرة خبز و رغيف لسد الرمق والذين قد يلجؤون إلى التقاط بقايا الطعام وإماطة الأزبال عنها وللأسف …

ومن المؤسف حقا أن هذا الإسراف أو هذا الاستهلاك الترفي – إن صح القول – قد يدفع بأصحاب الدخل المحدود على الخصوص  إلى الاقتراض ؛ الأمر الذي يؤدي إلى تراكم الديون الشخصية والداخلية بل وحتى الخارجية ، وارتفاع الأسعار وإلى العديد من الأزمات التي تعاني منها مجتمعاتنا الإسلامية،  بل وقد يلجؤون إلى ممارسات لاأخلاقية كالسرقة والاختلاس وأكل أموال الناس بالباطل من أجل تحقيق تقليد في الإنفاق، وإن هذا النوع من التقليد في الاستهلاك منهي بدليل قوله الله عز وجل : {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}(النساء : 32)، وقوله تعالى : {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا}(طه : 129) وفي الحديث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام >انظروا إلى من  أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن تزدروا نعمة الله عليكم<(2).

إن المنهج الإسلامي في الإنفاق والاستهلاك واضح وجلي وهو منهج مبني على الوسطية والاعتدال في كل شئ وفي كل حين : {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}(الاسراء : 29) وإن البسط كل البسط هو ما نراه في هذا الشهر المبارك ؛ شهر العبادة ، وإن الحسرة كل الحسرة عند مراجعة الحسابات وإعادة النظر في النفقات وتراكم الديون …

وإنها ليست دعوة إلى الزهد والتقشف لأننا لا نخالف قطعا قول الله عز وجل : {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة…}(الأعراف : 30)، وإنما هي دعوة إلى الإنفاق في سبيل  الله والتصدق على الفقراء والمساكين والمحتاجين من أجل تحقيق تكافؤ نسبي وعلى الأقل في هذا الشهر العظيم، والاقتداء بالرسول الكريم الذي كان أجود ما يكون في رمضان من الريح المرسلة ، ودعوة لأن يكون سلوك المسلم رشيدا في الاستهلاك وأن يعلم أنه >ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، حسب الآدمي  لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام  وثلث للشراب وثلث للنفس<(3)، وأن يوازن بالتالي بين الإيرادات والنفقات من أجل تحقيق رشد استهلاكي ؛ فإذن :  >كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في  غير إسراف ولا مخيلة<(4). ورمضان مبارك.

————

1- أخرجه مسلم ، كتاب الأشربة ، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل اللقمة الساقطة ،رقم : 3795 .

2- أخرجه مسلم في : كتاب الزهد و الرقائق ، رقم : 5264 .

3- أ خرجه ابن ماجه ، كتاب الأطعمة، باب : الاقتصاد في الأكل وكراهية الشبع ، رقم 3340 .

4-  أخرجه البخاري، كتاب اللباس ،باب : قوله تعالى : قل من حرم زينة الله …

نـجـيــة أقــجــوج

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>