جدار المعرفة


قال الله عــز وجل: {الذيـن يومنون بالغيب}(البقرة :2).

إن أرقى مراتب العلم هو العلم الذي يهدي صاحبه إلى التقرب من الله وأن أرقى مراتب الدين هو الذي يهدي صاحبه إلى التعلم والأخذ بأسباب المعرفة وأنهما معا يلتقيان في: {واتقوا الله ويعلمكم الله}(البقرة : 281)

فالعالِمُ الحقيقي هو العالم الذي يخشى الله ويرهبه ويتقّيه.

{إنما يخشى الله من عباده العلماءُ}(فاطر : 28).

هذه هي نظرة الإسلام للعلم وهي نظرة روحانية، أما نظرة الغرب للعلم فهي نظرة مادية بحتة حيث يقول هنري بوان كاري :

“العالم الحقيقي هو الذي يدرس الطبيعة من أجل المتعة لا من أجل المنفعة”، وهذا يتوافق مع التيار المادي الذي يتزعمه كارل ماركس حيث يقول:”العقل ما هو إلا ظاهرة من ظواهر المادة ولا علاقة له بأي شيء آخر”.

إن ديننا الحنيف يحثنا على التعلم وينص على أن المعرفة أصلها من العلم وهذا ما تشير الآية الكريمة : {اقرأ باسم ربك الذي خلق}(العلق : الآية 1).

إن المواضيع الفيزيائية التي توصلت إليها الأبحاث العلمية المعاصرة -مثلا- تبدو غير بعيدة عن الاهتمامات الميتافيزيقية دون اختراقها للقوانين الطبيعية. ومن جملة هذه المواضيع الفيزيائية، الخلق من العدم، الأبعاد الإضافية للأبعاد وللزمن، الـلايـقين (Lصindécidabilité) في علم الرياضيات والتي تبرهن على أنه من المستحيل أن نحسم في صحة قرار أو خطئه، وأخيرا التكامل (La complémentarité) في الفيزياء والتي تنص على أنه يمكن اعتبار الجسيمات الأولية تموجات وجسيمات في نفس الوقت.

إن أهم ما توصل إليه العلم الحديث هو أن هناك حدوداً للمعرفة لا يمكن تجاوزها، وأنه لا سبيل للوصول إلى الحقيقة، بل ستظل مقنعة مهما تقدم العلم، على عكس ما صرح به أنشتاين على أن الحقيقة يمكن معرفتها وكشفها.

ومن أهم حدود المعرفة هو ما اكتشفه الفيزيائي الألماني ماكس بلانك سنة 1900م عن الكميم الطاقي والمعروف بثابتة بلانك وهذه الثابتة تمثل أصغر طاقة في عالم الفيزياء حيث لا يمكن للقوانين الفيزيائية تجاوزها وهي تساوي 6,62.10-34 جول ثانية  كما أنها تمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن تصل إليه الموجة كما أن هناك زمنا فيزيائيا يسمى بزمن بلانك وهو أصغر زمن فيزيائي معروف لحد الآن ويساوي 10-34 ثانية ويعرف بجدار بلانك (جدار المعرفة) فلا يمكن أن نذهب إلى أقل من ذلك الزمن فما وراءه يعرف بالميتافيزياء أو علم الغيب، فطاقة البشر في العلم محدودة كما أثبت ذلك، وعليه فإذا أردنا أن نتخطى هذا الجدار ونعرف ما وراءه علينا أن نومن بالغيب وأنه لا سبيل للوصول إلى ذلك إلا بالإيمان بما ورد في القرآن الكريم .

{ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}(البقرة : 1- 2).

ذلك أنه مهما تقدمنا في العلم فإننا لن نصل إلى حبة خردل من علم الله.

{ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمة الله إن الله عزيز حكيم}(لقمان : 26).

فالإيمان بالله لا يرتبط بعلم أو قانون بل هو هبة من الله يودعها في قلب من يشاء من عباده. قال الله تعالى: {ومن يومن بالله يهد قلبه}(سورة التغابن).

د.محمد حمدون

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>