رمضان شهر القرآن


يقول الرسول  :  >أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، وسنن لكم قيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مَرَدَة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرمَ خيرها فقد حُرم<.

فأنعم به من ضيف كريم، وقادم يهدي لنا خيره، ويفيض علينا من بركته وشدة عطره الفواح، وأريجه أريج الجنة.

إننا ونحن على أبواب الشهر الجليل العظيم الكريم، المبارك، شهر رمضان، فكيف نستقبله؟ هل نستقبله استقبال الضجر من جوعه وعطشه؟ أم نستقبله استقبال المتلهف للقاء حبيبه؟

المسلم لا يستقبل ضيف الله، إلا وهو متلهف للقائه، فرح به، يهيم شوقا بذكره، متسائلا : كم رمضان بقي لي من عمري. وهل سيأتي علي رمضان العام المقبل وأنا فوق الأرض أم تحت ترابها؟ إن إعداد النفس وتذكيرها بعظمة رمضان كفيل بأن ينزع عنها كل أسباب الركود والركون إلى الراحة والكسل والخمول.

لدلك ينبغي لنا أن نستحضر أمام أبصارنا وبصائرنا أربعة أمور كبيرة لها مكانتها وجلالتها، وفي طليعتها القرآن الكريم. وثانيها تجديد التوبة. وثالثها : الجهاد في سبيل الله. ورابعها العلم بأحكام الصيام. وإنما نتدكر  كتاب الله المجيد في مطلع هذا الشهر، لأن رمضان كما أخبر الحق جل جلاله هو شهر القرآن : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}(البقرة : 185) وإذا كان شهر رمضان هو شهر القرآن نزولا، فإنه شهر القرآن استجابة وتلاوة وتدبراً. فالقرآن مائدة الرحمان، فلنحرص على قراءته قراءة حسنة دون تحريف لآياته أو لحنٍ فيه بزيادة أو نقص لقوله تعالى : {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يومنون به}.

ففي هذا الشهر يزداد إقبال المسلمين الطائعين على مائدته، يتزودون منها خير الزاد، وينهلون من منبعه أطهر الشراب، والقرآن هو الرائد الذي لايكذب، والهادي الذي لا يضل، والقائد الذي ينصح، فيه النور والضياء.

{قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} وفيه الدواء والشفاء {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمومنين} وفيه روعة التأثير وبلاغة العبرة {لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله…}الآية.

والقرآن هو كتاب الجهاد بألوانه وأنواعه :

جهاد النفس {ونفس ما سَوّاها فألهمها فجورها وتقواها: قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها}.

جهاد اللسان : {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}.

وجهاد المال والأنفس والأجسام : {إنما المومنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}.

ونذكر -أيضا- الجهاد في رمضان، لأن رمضان هو شهر الجهاد بأنواعه : فهو جهاد للنفس بقهرها وقمعها ومنعها مما تشتهي وترغب، وحملها على طاعة خالقها في سرية بينه وبينها. ولذلك ورد في الحديث القدسي : >كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي<.

وهو جهاد للسان  بتطهيره من الخوض فيما لا يفيد، وتنزيهه من نشر الشائعات المغرضة، وإذاعة الأسرار التي تمس كتاب الأمة، فمن صمت نجا، ولذلك قال رسول الله  : >مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه<.

وهو جهاد بالمال والأرواح، ففي شهر رمضان جاهد الأسلاف والأجداد، ففيه كانت غزوة بدر، وفيه كانت غزوة الفتح، وفيه كانت غزوات ومعارك أخرى كثيرة.

ونحن أيضا نتذكر على أبواب رمضان : تجديد التوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وأن نبدأ صفحة جديدة  طاهرة مع أول يوم من رمضان، فهو فرصة للتوبة النصوح ولعتق النفس من النار… فكيف يتقبل صيام تارك الصلاة؟ قال  : >رب قائمحظه  من قيامه السهر، ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش< ونحن نتذكر أيضا على أبواب رمضان : فريضة الصيام والعلم بأحكامه. وهي الفريضة التي أرادها الله تهذيبا للنفس وتطهيرا للروح وتساميا بالقلب، وتصفية للجسد ولذلك نسعى أن يجلس المسلم الصائم في رحاب ربه، نقرأ آياته، ونتلقى نفحاته وتتهجد له في ليله، لأن أساس الصوم هو مجاهدة تحيقيق التقوى بالمجاهدة.

وبالتقوى يكتسب الإنسان المؤمن الحصانة النفسية، والمناعة الخلقية، والعزيمة القوية… وبهذا الإيمان يستحق المجاهد العابد الثابت الذاكر لله جل جلاله، أن تكون يد الله معه، وأن تتحقق معونة الله له، وأن يُقبل نصر الله عليه، ولذلك قال عز من قائل : {وكان حقا علينا نصْر المومنين}.

وهكذا تحيط بنا الدروس الواعظة والعبر الهادية منذ بداية رمضان حتى تمامه وهي دروس نتعلم فيها الكثير لو أخذنا بحسن التلقي وطرق الاستجابة والإخلاص في التطبيق {ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم…}الآية.

ها قد عدت يا رمضان إلى الأمة، فبأي حال عدت يا رمضان؟ أجل عاد رمضان والأمة لم تعلن صلحا حقيقيا مع الله، تعطيل لأحكام في كثير من الميادين : في الاقتصاد، والسياسة والاجتماع، والإعلام… عاد رمضان وعوامل الفرقة والتشتت سمة أحوال أمة الإسلام. يمر علينا الآن ونحن في مرحلة حاسمة من مراحل نضالنا  ضد أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر والذين استباحوا حُرُماتنا، واستهانوا بمقدساتنا. فلنُعِدَّ أنفسنا بالعلم والعمل والعبادة  والقوة والذكر، والصبر, والاتحاد، والاستعداد، والبذل والعَطاء، حتى يأتي الله بالفتح، أو أمر من عنده : {يومئذ يفرح المومنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم}.

ذ. عمر فارس

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>